بعد عزل الرئيس المنتخب واختطافه
وعزله عن العالم بدأت تنهال الدعاوى ضده،
وهو الذي لم يملك إلا شقة بالإيجار،
ولم تدخل عائلته القصر،
وبقي أحد أبنائه عاطلاً والآخر مغترباً.
فما هي أهم التهم الموجهة إليه؟!.
إنها تهمة الخيانة العظمى
فقد تخابـر مع أطراف خارجية للخروج من السجن أثناء انطلاقة الثورة.
ولننظر هنا إلى أين تصل حدود التشبع بثقافة ومنطق وأسلحة الثورة المضادة،
فبدلاً من أن يكون اعتقاله أثناء انطلاقة الثورة وساماً على صدره،
وبدلاً من أن يكون إخراج المعتقلين السياسيين
من سجون الدولة البوليسية في أجواء الدفع باتجاه إنجاح الثورة وساماً
على صدر كل من أسهم في هذا الجهد،
أصبح خروج المعتقلين السياسيين خيانة عظمى!!
ما هي الأدلة ومن أين أتت؟
من أجهزة الدولة البوليسية ورجال مخابراتها وشهاداتهم!!
وكأن ثورة يناير بكاملها لم تكن بموجب دعاية الدولة البوليسية
وخطابها مجرد مؤامرة لأطراف خارجية!!
هكذا يُنتقى من خطاب الدولة البوليسية
ودعايتها ما يسمح بتجريم أحد أطراف ثورة يناير
الذي أصبح في موقع الشيطنة،
مع أنه لو تم أخذ خطاب الدولة البوليسية ودعايتها،
فيجب أن يكون كل من أسهم في ثورة يناير مجرماً،
فقد أسقط النظام كله، ولم يخرج فقط من السجن.
ثم لنقارن هنا بين تهمة التخابر الآتية من خطاب الدولة البوليسية
ودعايتها وشهادة بعض رموز أجهزتها القمعية،
ولنقارنه بتخابر آخر لم يأت من هذه المصادر المضادة
للديمقراطية والثورة، بل أتى من الاعترافات الصريحة
لمن قاموا بالتخابر أو من الواقع العملي الذي يتجاوز التخابر،
فقد اعترف أحد رموز "ثورة التصحيح"
أنه حاول إقناع الغرب بإسقاط الرئيس المنتخب!!
فهنا اعتراف بالسعي –وليس مجرد التخابر– لدى أطراف خارجية
لإسقاط الرئيس الذي اختاره الشعب،
ألا توجد خيانة عظمى هنا؟.
أليست ثابتة ومؤكدة،
وتتجاوز مسألة الخروج من سجن دولة بوليسية
ونظام جثم على الصدور ثلاثة عقود بغير اختيار؟!
يوجد آخر لاذ بالفرار إلى إحدى الدول الخارجية،
وكان مطلوباً للقضاء، وعمل فعلياً خلال عام كامل على التحريض
والتخطيط لقلب نظام الحكم لرئيس منتخب،
وباعترافات كثيرة بالصوت والصورة.
ألا توجد خيانة عظمى هنا؟ أليست ثابتة ومؤكدة،
وتتجاوز مسألة الخروج من سجن دولة بوليسية
في أجواء ثورة لتغيير النظام بكامله إلى هدم نظام الحكم
لرئيس لم يأت على ظهر الدبابة ولم تورثه أجهزة الدولة البوليسية؟!.
ثم ماذا عن بقية الفاعلين في "ثورة"
العودة إلى زمن الدولة البوليسية ممن انهمرت عليهم
المليارات الخارجية فور انقلابهم،
ومن أنظمة لا تكاد تعادي شيئاً قدر عدائها للديمقراطية والثورة؟!.
ألا توجد خيانة عظمى هنا؟
وألا تتجاوز التخابر إلى التخطيط والتعاون والتمويل
وتلقي الجوائز من أطراف خارجية شديدة العداء للديمقراطية والثورة؟!
وإذا أضفنا إلى هذه الصورة ما أكدته الأطراف الدولية
المستقلة من أن أحداث الحرس الجمهوري كانت مجزرة حقيقية
لإنهاء الاعتصام وتثبيت الانقلاب،
وما أبدته الأطراف المشاركة في نظام الوصاية الجديد
من الأخذ برواية الدولة البوليسية والدفاع عنها
والانقطاع عن كل ما عدها،
فكيف يمكن أن يؤتمن أمثال هؤلاء على المستقبل؟!.
كيف يمكن أن ينتجوا العدل والديمقراطية والشفافية
والانتخابات النزيهة والمصالحة؟!.
إنها حقاً ثورة،
ولكنها ثورة مضادة بمقاييس نموذجية
لصورة وطبيعة الثورات المضادة.
إبراهيم الخليفة