بسم الله الرحمن الرحيم
أوصيكم بالنساء خيرا
الحمدُ للهِ القائل ِفي مُحكم ِالتنزيل ِ: ( وأنهُ خلقَ الزوجين ِالذكرَ والأنثى {45} من نطفةٍ إذا تـُمنى {46} ) النجم .
فاللهُ تباركَ وتعالى خلقَ الذكرَ والأنثى : الرجلَ والمرأة َ، وقد خلقـَهُمَا للغايةِ ذاتِـهَا .
فقالَ عَزَّمِن قائل : ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاَّ ليعبُدون {56} ) الذاريات .
فجاءَ خطابُ التكليفِ عاماً لِكِليهـِمَا، إلاَّ ما أختصَّ بهِ الشارع ُالرجلَ دونَ المرأةِ، أوِ اختصَّ بهِ المرأة َدونَ الرجل ِ.
ولستُ أ ُريدُ بهذا المقام ِ, أن أ ُبَيِّنَ ما خـَصَّ اللهُ بهِ كلاً منهُمَا، وإنما أحببتُ أن أ ُبَيِّنَ بعضاً مَمَّا كرَّمَ الإسلامُ بهِ المرأة َ.
فالإسلامُ قد كرَّمَ الأنثى بنتاً، وأختاً، وزوجة ً، وأمَّا . تكريماً لم يأتِ بهِ نظامٌ وضعيٌّ من قـَبلُ, ولن يأتيَ بهِ أحدٌ من بَعدُ .
أمَّا عن تكريمِهَا بنتاً : فقولـُهُ تعالى : ( للهِ مُلكُ السماواتِ والأرض ِيَخلقُ ما يشاءُ, يَهَبُ لِمن يشاءُ إناثاً ويَهَبَ لمن يَشاءُ الذكورَ{49} ) الشورى .
في هذهِ الآيةِ الكريمةِ قدَّمَ اللهُ ذِكرَ الإناثِ على الذكورِ لِمَا لهنَّ منَ الفضل ِوالمكانةِ، وقولـُهُ يَهب : أي : يُعطي . وأيُّ عطيةٍ أعظم ُوأكرمُ من عطيةِ الخالق ِلخلقِهِ. ففي الحديثِ الشريفِ عنهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنهُ قال : ( من كانت لهُ ثلاثُ بناتٍ فـَأدَّبَهُنَّ وأحسنَ تأديبَهُنَّ،كـُنَّ لهُ عتقاً من النار، فقالَ قائلٌ يا رسولَ اللهِ: واثنتان ِ! قال:واثنتان ِ. قالوا يا رسولَ اللهِ وواحدة ٌ؟ قال: وَوَاحدة ) . والتأديبُ هوَ التنشأة ُعلى كتابِ اللهِ وسُنـَّةِ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.
فهلْ بعدَ هذا التكريم ِمن تكريم؟ وهلْ بعدَ هذا العطاءِ من عطاءٍ ؟ ومنَ الجميل ِأن نتكلمَ عن سِيَرِ بعض ِالصالحينَ, ونـُبَيِّنَ حُسنَ تنشِأتِـهم لأبنائِـهم .
فهذا التابعيُ سعيدٌ ابنُ المسيبِ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ وأرضاهُ يَدخلُ بيتهُ عائداً من صلاةِ العشاءِ فيُسلمُ على ابنتِهِ وقد استقبلتهُ بحفاوةٍ بالغةٍ فتقولُ لهُ يا أبتاهُ : لقد قرأتُ القرآنَ كلـَّهُ ، فحفظتـُهُ كلـَّهُ , ووعيتـُهُ كلـَّهُ ، إلاَّ آية ًفي كتابِ اللهِ حيَّرتني !! قولهُ تعالى : ( ربَّنا آتِِنا في الدنيا حسنة ًوفي الآخرةِ حسنة ًوقنا عذابَ النار{201} ) البقرة .
فقالَ لها أبوها: أي بنية ُ: فاعلمي أنَّ حَسنة َالدنيا للرجل ِ: المرأة ُالصالحة ُ، وحسنة ُالدنيا للمرأةِ الرجلُ الصالحُ .
أما عن تكريمِهَا أختاً : فقد حَثَّ الإسلامُ على الإحسان ِإلى النساءِ بالعطفِ عليهنَّ، والرحمةِ بهنَّ، لأنهنَّ شقائقُ الرجال ِ, وهنَّ عوانٌ عندَهُم، وتعني وجوبَ رعايَتِـهنَّ، وأمرَ بالحرص ِعلى الأختِ بوجودِ والديها، وأوجبَ صلتهَا وحرَّمَ قطيعتهَا بحياتهمَا وبعدَ موتِهمَا، وفرضََ إعطائهَا حقها من الميراثِ كاملاً دونَ تتبيب ـ أي دونَ نقص ٍوتخسيرـ لقولِهِ عليهِ السلامُ : ( الضِّرارُ في الوصيةِ منَ الكبائرِ) وفي روايةٍ: ( الحَيفُ في الوصيةِ من الكبائرِ) والحيفُ : هو الميلُ في الحُكم ِوالجنوحُ إلى أحدِ الجانبين، كإيثارِ الذكورِ على الإناث .
وأما عن تكريمها زوجة ً: فقد قالَ عليهِ السلامُ : ( خيرُكم خيرُكم لأهلهِ، وأنا خيرُكم لأهلي ) أيْ : لزوجتِهِ .
وقالَ مُبيِّناً ما للزوجةِ الصالحةِ عندَ زوجهَا فقال : ( ما استفادَ المُؤمنُ بعدَ تقوى اللهِ عزَّ وجلَّ خيراً لهُ مِن زوجةٍ صالحةٍ ، إن نظرَ إليها سرَّتهُ، وإن أقسمَ عليها أبرتهُ، وإن غابَ عَنها حفظتهُ في نفسِهَا ومالِهِ ) . فإذا أدَّتِ المرأة ُحقَّ زوجـِهَا فقد أدَّتْ حقَّ ربِّها، كما بيَّنَ ذلكَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( واللهِ لا تؤدِّ المرأة ُحقَّ ربِّهَا حتى تؤدِّيَ حقَّ زوجهَا ) وحقُّ زوجهَا طاعَتـُهَا لهُ فيما يأمُرُ من معروفٍ لتنالَ بُشرى نبيِّ اللهِ لها إذ يقولُ: ( إذا صَلـَّتِ المرأة ُخمسَهَا وصامَت شهرَهَا، وحفِظتْ فرجَهَا، وأطاعَتْ زوجهَا، قيلَ لها يومَ القيامةِ: ادخلي الجنـَّة َمِن أيِّ أبوابـِهَا الثمانيةِ شِئتِ ) صدقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ . ومِن حقِّ الزوج ِعلى زوجتهِ ما بيَّنهُ حبرُ الأمةِ ابنُ عباس ٍرضيَ الله تعالى عنهُما: ( لهُنَّ من حُسن ِالصُحبةِ والعِشرةِ ، مثلُ الذي عليهنَّ من الطاعةِ فيما أوجبَهُ لأزواجهنَّ) .
وأمَّا عن تكريمِهِ لها أمَّاً : فقد قالَ سبحانهُ وتعالى: ( وقضى ربُّكَ ألاَّ تعبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وبالوالدين ِإحساناً ، إمَّا يبلغنَّ عندَكَ الكِـبَرَ أحدُهُما أو كِلاهُمُا فلا تقلْ لهُما أفٍ ولا تنهرهُمَا وقلْ لهُما قولاً كريماً {23} واخفِض لهُما جناحَ الذلِّ منَ الرَّحمَةِ، وقلْ ربِّ ارحَمهُما كمَا ربَّياني صغيراً{24} ) الإسراء. والخفضُ كناية ٌعن كمال ِالبرِّ، وعظيم ِالرحمةِ وحُسن ِالتذلل ِإليهما، والخفضُ لغة ً: النزول. ويقصدُ بهِ أنَّ المسلمَ كلمَا خفضَ لوالديهِ قرَّبَ نفسَهُ إلى الجنةِ. وقد قالَ عليهِ السلامُ : ( أ ُحضُروا المنبرَ، فحَضَرنا، فلمَّا ارتقى درجة ًقال : آمين، فلمَّا ارتقى الثانية َقالَ: آمين, ثمَّ لمَّا ارتقى الثالثة َقال: آمين, فلما نزلَ قلنا يا رسولَ اللهِ لقد سَمعنا منكَ اليومَ شيئاً ما كنا نسمَعُهُ ؟ قال: إنَّ جبريلَ عَرَضَ لي فقال: بَعُدَ مَن أدركَ رمضانَ فلمْ يُغفر لهُ. قلتُ آمين, فلمَّا رقيتُ الثانية َقال: بَعُدَ مَن ذ ُكِرتَ عندهُ فلم يُصلِّ عليكَ. فقلتُ آمين. فلمَّا رقيتُ الثالثة َقال: بَعُدَ من أدركَ أبويهِ الكِبَرَ عندَهُ أو أحدَهُمَا فلم يُدخلاهُ الجنة َ, فقلتُ آمين ) . ولقولهِ : ( الجنة ُتحتَ أقدام ِالأمهات ) .
فللأ ُمِّ فضلٌ كبيرٌعلى أبنائِهَا, إذ يُكرِمُهُمُ الله ُمن أجلهَا, مصداقاً لقولهِ عليهِ السلامُ : ( إذا ماتتْ أمُّ ابن ِآدمَ أمرَ الله ُمناديَاً يُنادي عليهِ من السماءِ يا ابنَ آدمَ: ماتتِ التي كـُنـَّا نـُكرِمُكَ لأجلها, فاعمَل صالحاً نكرِمُكَ لأجلكَ ) .
هذا ما قدَّمَهُ الإسلامُ للمرأةِ في زمان ٍيُنادي بهِ أدعياءُ الحريةِ إلى خروجهَا سافرة ً, تنادِمُ الرجالَ وتخادِنـُهُم, بحجةِ المساواةِ فلها ما لهُم, وعليها ما عليهم, فهُم فيما يعتقدونَ أنَّ المرأة َخـُلِقت لِتلبِّيَ رَغبة َالرجال ِ, فجعلوهَا سلعة ًباستغلال ِ أنوثتِهَا, فأينَ هذا وذاكَ مِنَ الإسلام ِالعظيم ِالذي صانَ عِفة َالمرأةِ وأكرَمَها ؟ ورَفـَعَهَا المكانة َالعالية َ, وأوجبَ الذودَ عن عِرضِهَا, والذبَّ عن حِماهَا, فقد كانَ أخرُ كلامِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ منَ الدنيا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ما سَطـَّرَ بهِ كلماتٍ من نورٍ, وهوَ يُوصي بالنساءِ خيراً فيقول : ( الصلاة َالصلاة, وما ملكت أيمانـُكم, واللهَ اللهَ في النساء ) .
فأينَ خليفتـُكـُمُ الذي يُحافظ ُ على هاتيكَ القواريرِ الغالية ِ؟ من بناتٍ وأخواتٍ وزوجاتٍ وأمهاتٍ , ليحملنَ مشاعلَ النورِ والهُدى , ليَكنَّ التابعاتِ الأخيارِ, واللاحقاتِ الأبرارِ, كخيرِ مَن ضمَّهُنَّ الثرَى, أمثالَ : سُمية َوخولة َونسيبة َرضيَ اللهُ تعالى عنهُم اجمعين . اللهمَّ آمين, اللهمَّ آمين, اللهمَّ آمين, ربِّ, ربَّ العالمين
منقوووول