أم المعارك.. أو أم المهالك؟! - ليلى مارقلت لأمي على الهاتف بلغة الألغاز، والجيش الحر يستعد لمعركة حلب:
منيح كتير صابون حلب، والله مبسوطة عليه..
فردّت:
ما في أحسن من صابون حلب وميّة الشام!
"أم المعارك".. هذا هو الاسم الذي تفتقت عنه عبقرية نظام القتل
الذي استلهم من التاريخ اسماً لمعركته الباغية على حلب،
وكان عسكري منشق قد أعرب مع بداية الثورة
عن مخاوفه من أن يقصف الأسد دمشق من أعلى قاسيون بالصواريخ،
وقد قصفت العصابة دمشق، ولكن بالمروحيات،
وجعلت القصف من قاسيون من نصيب المدائن المحيطة بها في الريف،
إلا أن الله رد كيدهم لنحورهم،
ونشب حريق في تلك القاعدة الصاروخية لسبب غامض لم يعرف بعد.
نظام الإجرام صعّد من إجرامه مع بداية رمضان
فمنع الماء والغذاء عن المعتقلين في سجن حمص المركزي،
وقصف الرستن وتلبيسة، بعد المروحيات، بطائرات الميغ،
ومن "سانا" وصلتني رسالة تطلب مني فيها عدم تصديق القنوات المغرضة،
التي ستخطف ترددات القنوات السورية، إن تحدّثوا عن حصول انقلاب أو ما شابه!
***
أعود للعمل بعد انقطاع أسبوع؛
فيصدمني المنظر على طول الطريق السريعة،
وأنا أرى على الجانبين ما فعلته العصابة بحي القابون،
وقد سوّيت منازله ومحلاته بالأرض..
أفكر بكل أولئك الناس الذين خسروا في ساعات مأواهم،
ومصدر رزقهم، وشقاء عمرهم الذي أضحى مجرد ركام.
لا انترنت في المكتب، ولا شيء يمكن القيام به..
يزداد طعم المرارة في فمي من الصوم والحنق والغضب
وأعود أدراجي للبيت وقلبي على حلب..
على شاشة التلفاز تظهر فكتوريا نولاند لترسم ملامح من الأسف على وجهها رسماً،
وهي تقول: قلوبنا مع حلب!!
حقاً يا فكتوريا؟.. أقلوبكم الحاقدة هي مع حلب؟!
وكما أن أمريكا "قلبها مع حلب"،
كذلك هي بريطانيا التي حثّ وزير خارجيتها هيغ على توثيق كل الانتهاكات!
يعني الجميع ينتظر حدوث المجزرة كي يبكوا على حلب حتى تنفطر قلوبهم،
ثم يقوموا بمحاسبة مرتكبيها بعد ان تركوا لهم الحبل على الغارب!
تصرخ حلبية "وامعتصماه"؛ فيسد حكام العرب آذانهم عن ندائها؛
إذ ليس في جعبة الأمم، والعرب منهم،
سوى سلاح التنديدات يريدون به دفع الأذى عنا.. كما يدّعون!
على الحدود السورية الأردنية تفر عائلة هرباً من الموت؛
لكن الموت يقف لطفل منها بالمرصاد،
ويسقط وائل اللبابيدي برصاصة جندي من "أبناء وطنه"،
ويُجرح جندي أردني كان يحاول إنقاذ الطفل السوري من الجندي السوري!
أتوقع رداً أردنياً يرتفع لمستوى الحدث
فأسمع أن السلطات هناك نفت حدوث اشتباكات بين جنودها وجنود النظام،
ويذكرني رد الفعل ذاك بردود فعل مماثلة للبنان وتركيا من قبل!
لكن أردوغان يهدد هذه المرة بالتدخل في سورية عسكرياً،
في حال سقطت المناطق الحدودية بأيدي الأكراد..
وقبله جاءت تصريحات أقوى من إيران
التي قالت أنها ستضرب بالحديد والنار لحماية خادمها الأمين!
أشعر بالقرف إذ يعود أردوغان، في تصريح آخر،
ليطمئننا مجدداً بقرب رحيل الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به،
لكنني أريد أن أتمسك بآخر خيط من التفاؤل فيما يتعلق بتركيا،
وأقول لنفسي: عساها تركيا تفعل في الخفاء لصالح الثورة
أكثر بكثير مما تبوح به في العلن،
وربما هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الضباط المنشقين يلجؤون إلى هناك،
مع أن المنطق يقول أن ساحة المعركة هي على الأرض السورية، لا التركية.
إلى بلاد أردوغان تفر نائبة في مجلس الشغب تدعى اخلاص بدوي،
وأتساءل: لماذا رشّحت نفسها أصلاً؟!..
ألم تكن تعرف ما الذي يجري؟.. ثم،
ألا تعرف أنها ان تكون سوى منافقة تنوب عن نفسها فقط
في مجلس يسمونه مجلس شعب؟!!..
كيف اكتشفت فجأة جرائم النظام؛
فلم تجد من وسيلة لتنوب عن مدينتها الأتارب سوى بالهروب إلى تركيا؟!
ومثلها تلك القائمة بأعمال السفارة السورية في قبرص،
ابنة أخت فاروق الشرع، القافزة مع زوجها السفير في الامارات، من المركب قبيل غرقه..
كذلك فعل مناف طلاس مثل فعلها، وسمى"هروبه" (أو لعبته) انشقاقاً،
فسلط الإعلام الأضواء عليه، ملاحقاً أفعاله من زيارة العائلة بباريس،
إلى العمرة في السعودية، إلى لقائه بالمسؤولين الأتراك،
ومن اللافت أن التغطية الاعلامية الأكبر كانت من قناة "العربية"،
التي أعادت إذاعة أخباره وتلميع صورته على مدى أيام متوالية،
مما يجعلني أشتم رائحة طبخة سرية من تلك التي تكثر فيها الأيادي حتى تحترق!
***
أعلن أهالي يبرود المسيحيين عن صيامهم يوم الجمعة القادم
تضامناً مع إخوانهم المسلمين موجهين بذلك صفعة ثانية
للنظام الخسيس الكافر الذي باءت بالفشل محاولته
إقناع أهالي حي باب توما الدمشقي بتسليحهم بحجة
"حماية أنفسهم" من إخوانهم المسلمين!
ومن الطائفة العلوية تنشق الاعلامية علا عباس عن "الإخبارية"
وتوجه عبر القنوات الفضائية رسالة لأبناء طائفتها للانضمام إليها،
فاضحة طائفية العصابة الأسدية.
أصوات انفجارات بعيدة تصل إلى مسامعي من جنوب دمشق ليلة السبت،
وإطلاق رصاص ليس ببعيد عن حيّنا،
وأنا أستمع للمتحدث باسم البيت الأبيض كارني
يرفض مقارنة حلب ببنغازي ويصف الأسد بالانحطاط..
صدقت يا كارني: بنغازي ليست حلب،
وليبيا ليست سورية..
فلا بترول في سورية ولكن هناك جوار لدولة ربيبة اسمها اسرائيل!
صدقت يا كارني: بنغازي ليست حلب، وليبيا ليست سورية..
فأين كانت بنغازي عندما كانت حلب؟!.. وأين كانت ليبيا عندما كانت سورية؟!
وهل بنى المدائن على سواحل ليبيا إلا الفينيقيين القادمين إليها من سواحل بلاد الشام؟!..
صدقت يا كارني، وأنت تصف الأسد بالانحطاط،
ولكن دعني أقول لك أنكم يا دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان منحطون مثله،
وإن اختلف الأسلوب.
***
العاهرة روسيا تحذّر من مأساة ستتعرض لها حلب
بينما تواصل سفنها إمداد بشارون بالعتاد لتدمير حلب
رافضة أن يقوم أحد بتفتيش سفنها!
في حي صلاح الدين الحلبي تعلو صرخة "الله أكبر"،
وفي الريف الدمشقي يذبح الشبيحة أربعة اطفال أمام أعين أمهم في معضمية الشام ،
ويستهدفون يلدا بمجزرة أخرى،
بينما تضرب دبابة حافلة في دير الزور فيتساقط ركابها ما بين شهيد وجريح!
تحت دوش الماء البارد أقف باكية وقد ضاق صدري،
وأنا أفكر بما آل إليه حالنا والعالم يتفرج..
العالم يتفرج علينا، كما هو يتفرج على الشعب الفلسطيني منذ يوم النكبة إلى اليوم!
وما الفرق بيننا وبين أهل فلسطين؟..
هي كلها بلاد الشام.
بلاد الشام التي ما فتئت تُقتل وتقاتل وتضمد جراحها التي لا تندمل أبداً..
فمن احتلال عثماني إلى انتداب أوروبي إلى اغتصاب مجوسي،
وفي كل حقبة يقتطع من أرض الشام
أجزاء لا نعرف حقاً إن كان بالامكان استعادتها يوماً ما!
في مساء السبت يعقد المجلس الوطني مؤتمر آخر..
من أبو ظبي هذه المرة ويلوك عبد الباسط سيدا وسمير نشار نفس الكلام،
ولا حيلة بيديهما سوى الكلام: سوف يرفعون القضية إلى الجمعية العمومية في أيلول!!..
فيا فرحة حلب بك يا مجلسنا الوطني!
نحن.. الشعب والجيش الحر قد أسقطنا منذ زمن المجتمع الدولي من حساباتنا،
وعلى الله وسواعدنا اعتمادنا الوحيد، وبعض الدعم القليل من ذوي الضمائر الحية.
الجيش الحر يتقدم في حلب ويؤكد لنا أنه صامد حتى النصر؛
لكن المخاوف تساورني بشأن عدم التكافؤ في القوى،
وخطر الموت المحدق بالمدنيين،
وحجم الدمار الذي يعصف بالمدينة،
ثم أعود لأتفاءل خيراً بانشقاقات تتزايد عند المواجهة في صفوف المجندين،
الذين لا حول لهم ولا قوة،
وفي صفوف العسكريين الشرفاء عندما تسنح لكل منهم الفرصة،
وإن أتت متأخرة..
أعود لأتفاءل خيراً باستمرار صمود الشعب الذي صمد اكثر من سنة ونصف،
وتلاحمه مع الجيش الحر واحتضانه له..
لا خيار لنا، وسنخوض معركة "أم المهالك"،
لنهلك العصابة الأسدية، أمام الواقفين معها، والمتفرجين علينا.