قصيدة ... ليس الغريب ...
لزين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،
رضي الله عنهما
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّــأمِ واليَمَنِ إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحــــدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِـــبَ لَـــهُ حَــــــقٌّ لِغُرْبَتـِهِ على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
سَــفَري بَعيــدٌ وَزادي لَـنْ يُبَلِّغَنـي وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمــوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايــا ذُنـــوبٍ لَسْـــتُ أَعْلَمُها الله يَعْلَمُهــا في السِّــــــــرِ والعَلَنِ
مـَا أَحْلَـــمَ اللهَ عَني حَيْـــثُ أَمْهَلَني وقَدْ تَمــادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْـــتُرُنِي
تَمُرُّ ســـــــاعـاتُ أَيّـَامــي بِلا نَدَمٍ ولا بُكاءٍ وَلاخَـــــوْفٍ ولا حَــــزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْــوابَ مُجْتَــهِداً عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَـا زَلَّةً كُتِبَـــتْ في غَفْــلَةٍ ذَهَبَــتْ يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْســي وَأَنْدِبُـهـا وَأَقْطَعُ الدَّهْـــــرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهــلِ مُنطَــرِحــاً عَلى الفِراشِ وَأَيْديــــهِمْ تُقَــــلِّبُنــي
وَقد أَتَــوْا بِطَبيــبٍ كَـيْ يُعالِجَـــنـي وَلَمْ أَرَ الطِّـــــبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها مِن كُلِّ عِــــرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها وصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِــرَا الكَفَنِ
وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍ نَحْوَ المُغَسِّـــــلِ يَأْتينـي يُغَسِّـلُنــي
وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِـــلاً حَذِقاً حُراً أَرِيباً لَبـِيـبـاً عَارِفــاً فَطِـــــنِ
فَجــاءَني رَجُــلٌ مِنْهُمْ فَجَــــرَّدَني مِنَ الثِّيـــابِ وَأَعْــرَاني وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْــواحِ مُنْطَرِحًا وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يُنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّــلَني غُسْــــلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَـوْمَ بِالكَفَنِ
وَأَلْبَسُـــــــوني ثِيابـاً لا كِمــامَ لهـا وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجــوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَــفاً عَلى رَحِيــلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّـغُــــــــنـي
وَحَمَّلــوني على الأْكتـافِ أَربَعَــةٌ مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِـي مَنْ يُشَـــيِّعُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثــمّ وَدَّعَــــني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَــلاةً لا رُكــوعَ لهـا ولا سُـــــــجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني
وَأَنْزَلوني إلـى قَبــري على مَهَـــلٍ وَقَدَّمُوا واحِــــــــداً مِنهـم يُلَحِّـدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني وَأَسْكَبَ الدَّمْـعَ مِـنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَـــزمِ مُشْــــــتَمِلاً وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَـوْقِي وفـارَقَني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّـــرْبَ واغْتَنِموا حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبـــــرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا أَبٌ شَـــــفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُــــــنــي
فَرِيدٌ .. وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَــــــــفـاً عَلى الفِراقِ بِلا عَمَــــــلٍ يُزَوِّدُنـي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَـني
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقـــــــولُ لهم قَدْ هــَالَني أَمْـــرُهُمْ جِـــداً فَأَفْزَعَني
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُــــــــؤالِهـِمُ مَـالِي سِـــــوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَــــــلي فَإِنَّني مُوثَــــــقٌ بِالذَّنْـــــبِ مُرْتَهــَنِ
تَقاسمَ الأهْـلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْـرِي فَأَثْقَلَني
واســـتَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّـــــــــكَـنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْــــــداً لِيَخْدُمَهــا وَصَارَ مَـالي لهم حِــــلاً بِلا ثَمَــــنِ
فَلا تَغُـــــــــــــرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْــــرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
خُذِ القَنـَاعَــةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَــــــــــةُ البَدَنِ
يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْـــدَهُ ثَمَراً يَا زَارِعَ الشَّـرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي فِعْلاً جميـــــــلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَـــناً عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصَّلاةُ على الْمُختـارِ سَــــــيِّدِنـا مَا وَضّـأ البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمْسِــــــــينَـا وَمُصْبِحِنَا بِالخَيْـرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ