حسن القطني .. وحسن الراعي القطناني(دراسة ، تحقيق ، توضيح ، تصويب ) هل حسن القَطَنِي وحسن الراعي شخصية واحدة ، أم هما شخصيتان مختلفتان في تاريخ قطنا ؟ وهل ما وصلنا من معلومات متوفرة في المصادر والمراجع المختلفة توضح لنا هذا الأمر أم تزيده غموضًا وإبهامًا والتباسًا ؟ لقد ذهب بعض الباحثين المعاصرين في تاريخ قطنا إلى أنهما شخصية واحدة ، وبعضهم لم يشر أي إشارة إلى هذا الأمر !! والآن تعال معي لنستجلي هذا الأمر ، ونتبين حقيقته وأبعاده ، ونطلع على معالمه من خلال الشذرات التي اطلعنا عليها هنا وهناك ، والتي وصلتنا عن طريق مصادر متفرقة هنا وهناك ، والتي تنير لنا الطريق ، وتقدم لنا الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ..
يقول الأستاذ سعد الدين شرف الدين
المعروفة عائلته في قطنا ببيت بطيخة في كتابه " قطنا بين السطور " صفحة (41) ما يلي : ( وفي هذه الأثناء – يقصد فترة الحروب الصليبية - جاء فتى من شهبا حوران – يقصد : الشيخ حسن الراعي( ) - إلى قطنا ، وعمل راعياً لمواشيهم ، وكان صالحًا ، وكانت المواشي التي يرعاها تزداد عافية وعطاءً ، والتقى في براري قطنا بالأقطاب الأربعة البدوي والكيلاني والبداوي وأحمد الرفاعي في طريقهم للحج ، وتأكدوا من صلاحه ، وقرر السيد أحمد أن يكون من خاصته فباركه وتفل في فيه وألبسه الخرقة عام 555 هـ ثم حمله معه إلى دمشق ، وأوكل أمره لمشايخ الجامع الأموي ، وتتلمذ للشيخ الأستاذ أبي بكر بن معيوف الدمشقي الفقيه والشاعر والمحدث ، وتعلم منه الرواية والحديث ، ثم عاد إلى قطنا ولازم مسجدها الصغير ، وأصبح له تلاميذ يروون عنه أشهرهم عبد العزيز بن محمد الكتاني ، وأصبح ذا كرامات وعجائب ، وتوفي في قطنا 606 هـ / 1209 م ، ودفن فيها . ) وقال في صفحة 63 : ( جاء الفتى من مسقط رأسه وبلد أبيه شهبا حوران وهو ابن عشر سنين ، وعمل راعيًا في قطنا حتى التقى بالأقطاب الأربعة ( البدوي والكيلاني والبداوي وأحمد الرفاعي ، واختصه الشيخ أحمد الرفاعي عام 555 هـ لنفسه ، وألبسه خرقة الولاية ، وأصبح من مريديه ، ثم حمله معه إلى دمشق ، وأوكل أمره لمشايخ الجامع الأموي ، وتتلمذ على يد الشيخ الأستاذ أبي بكر ابن معيوف الدمشقي الفقيه والشاعر والمحدث ، وتعلم منه الرواية والحديث والقرآن وأمور الدين ، وعاد لقطنا شيخًا تقيًا مسلحًا بالعلم ، ولزم مسجدها الصغير ،
وأصبح له تلاميذ يروون عنه أشهرهم عبد العزيز بن محمد الكتاني ).
يمكننا إجمال الملاحظات على هذه الفقرة في النقاط التالية :
(1) لقاؤه بالأقطاب الأربعة .
(2) تلمذته على الشيخ أبي بكر بن معيوف الدمشقي
(3) وصفه للشيخ أبي بكر بن معيوف المشقي بالفقيه والشاعر والمحدث ،
وتعلم حسن الراعي منه الرواية والحديث والقرآن وأمور الدين !!؟
(4) تلقي الشيخ عبد العزيز الكتاني العلم عنه وروايته عنه .
أما بالنسبة للفقرة الأولى :
(1) لقاؤه بالأقطاب الأربعة
فإن المعروف المشهور المتداول بين ذرية الشيخ حسن الراعي في قطنا أنه التقى بثلاثة أقطاب وليس بأربعة !! ، ويقولون أنهم " البدوي والكيلاني وأحمد الرفاعي " ، ولهؤلاء الثلاثة تراجم في كتب السير والتراجم والتاريخ . ولكن هذه الرواية تعوزها الدقة العلمية في تحديد شخصيات الأقطاب ، فهي وإن اتفقت مع رواية الأستاذ في ذكر أسماء الأقطاب الثلاثة ، إلا أنها لا تثبت أمام النقد التاريخي ، ولقد أدى الرجوع إلى المصادر التاريخية التي تؤرخ حياة الشيخ حسن الراعي فوجد أنها تذكر لقاؤه بثلاثة أقطاب هم : أحمد الرفاعي ، وعبد القادر الكيلاني ، وعدي بن مسافر الشامي الهكاري ، ولا تذكر تلك المصادر السيد أحمد البدوي الوارد في رواية الأستاذ ، وكذلك الرواية التي كنت أسمعها من كبار رجال العائلة في السن في قطنا . والسبب في ذلك أن السيد أحمد البدوي لم يكن قد ولد بعد في عام اللقاء عام 555 هـ إذ ولد في عام 596هـ ، أي بعد تاريخ هذا اللقاء بـ 41 سنة !! ولذلك لا بد من استبعاد اسمه نهائيًا من الروايتين . بقي لدينا اسم البداوي الذي لم نعثر له على ترجمة بهذه النسبة .
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أنه يوجد الآن مدينة في دولة لبنان تسمى " مدينة البداوي " ، وهي تقع في وادي النحلة – قضاء الضنية ، وتبعد حوالي 89 كم عن العاصمة بيروت ، وتبعد 5 كم عن طرابلس شمالاً على ساحل البحر المتوسط ، وقد امتد إليها العمران حتى أصبحت حيًا من أحيائها ، اشتهرت ببركتها ذات الأسماك الملونة ، وفيها جامع وزاوية ، ويرجع أصل التسمية إلى رجل صالح " ولي من أولياء الله تعالى – كما يذكر الرواة - " يدعى " محمد البَادوَاني " قدم من البادية ، وسكن جانب البركة ، فصارت المنطقة تنسب إليه ، وتنسب إليه كرامات في عهد الحروب بين المسلمين والروم (( الحروب الصليبية )) ، وقد تم بناء جامع البداوي بأمر من الأمير المملوكي " دمرداش المحمدي الناصري " بين عامي 795- 796 هـ وقد بني في الأصل زاوية صغيرة ، بها ضريح أضيف إليه جامع ومئذنة في القرن الماضي عام 1378هـ/1958 م . وهذا البيان يدل على بداوي آخر غير الذي ذكره الأستاذ !! ولكني ذكرته هنا إتمامًا للفائدة وحتى لا يقع الالتباس بما ذكره الأخ سعد الدين المحترم .
ولعل كلمة " البداوي " ترجع في تقديري إلى حياة التنقل والترحال وعدم الاستقرار التي عاشها " عدي بن مسافر الشامي " حيث قام في مبدأ أمره في سلوك طريق التصوف منعزلاً عن الناس ، مبتعدًا عن مخالطتهم ، خاليًا بنفسه للعبادة والتأمل والتفكر والذكر وممارسة أنواع الرياضات التي تقربه إلى الله – شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الصوفية ؟؟!! – حيث اتخذ من المغارات والجبال والصحاري والبراري والفلوات والقفار مسكنًا له ، سائحًا فيها ، بعيدًا عن صخب أهل المدن والأرياف ، يأخذ نفسه بأنواع الرياضات والتدريبات الروحية ، كما سيأتي في ترجمته ، حيث تؤكد الروايات التاريخية أنه كان مع الرفاعي والكيلاني في لقائه بالشيخ حسن الراعي عام 555 هـ ، ولكني لم أر فيما اطلعت عليه من مصادر ومراجع أوردت ترجمته هذه النسبة ، والله تعالى أعلم .
ولا بد أن نشير هنا أيضًا إلى الأستاذ الباحث أمين أبو دمعة الذي وصل إلى يده بعض المراجع التي ترجمت للشيخ حسن الراعي والتي استفاد منها في إيراد ترجمة جيدة للشيخ ، ولذلك لم يقع في اللبس في المشايخ الثلاثة الذين التقى بهم الشيخ حسن الراعي عام 555 هـ ، فذكرهم بأسمائهم دون الاعتماد على الروايات الشفوية التي يتداولها أهل قطنا وغيرهم من أتباع الطريقة الرفاعية التي يسودها الاضطراب ، بسبب كثرة الأحداث التي مرت على بلاد الشام ، وتوالي النكبات والمحن ، وتطاول الزمان من تاريخ وفاته وإلى وقتنا الحاضر .
ومن المفيد أيضًا في هذه المناسبة أن نطلع القراء الكرام على ترجمة موجزة لهؤلاء المشايخ الذين يلقبونهم بالأقطاب حتى تتضح لهم الصورة بكل جوانبها وأبعادها التاريخية ، وتسطع عليهم شمس الحقيقة ، وتشرق عليهم أنوارها ، فتزيل الالتباس والخلط الذي يكتنف الروايات التاريخية ، ويكشف الغطاء عن جوهرها بعد إزالة ما علق بها من شوائب :
• أحمد الرفاعي : هو الشيخ أحمد بن علي الرفاعي الحسيني ، أبو العباس : مؤسس الطريقة الرفاعية : الإمام الزاهد ، ولد في قرية حسن " من أعمال واسط – العراق " وتفقه وتأدب في واسط ، وتصوف ، انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق وشرح أحوال القوم فانضم إليه خلق كثير سموا بالفقراء ، كان لهم به اعتقاد كبير . وكان يسكن قرية أم عَبيدة بالبطائح " بين واسط والبصرة " وتوفي بها عام 578 هـ ( ).
• عبد القادر الكيلاني : هو الشيخ عبد القادر بن موسى الحسني الكيلاني (الجيلاني ، الجيلي ) ، أبو محمد : مؤسس الطريقة القادرية ، من كبار الزهاد والمتصوفين ، ومن كبار العلماء ، ولد في جيلان ، وانتقل إلى بغداد شابًا ، واتصل بشيوخ العلم والتصوف ، تفقه وسمع الحديث وقرأ الأدب ، برع في أساليب الوعظ واشتهر ، وكان يأكل من عمل يده ، وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد ، له كتب منها : " الغنية لطالب طريق الحق " و " الفتح الرباني " و " فتوح الغيب " وغيرها ، وقد أفرد كثير من المؤلفين تآليف في مناقبه . توفي ببغداد سنة 561هـ( ) .
• عدي بن مسافر الشامي الهكاري : هو الشيخ عدي بن مسافر الأموي الشامي الهكاري ، من ذرية مروان بن الحكم الأموي ، من شيوخ الصوفية ، أقام أول أمره في المغارات والجبال والصحاري سائحًا يأخذ نفسه بأنواع الرياضات ، تنسب إليه الطائفة العدوية ، كان صالحًا ناسكًا مشهورًا ، وكان يقول : " إذا رأيتم الرجل تظهر له الكرامات ، وتنخرق له العادات ، فلا تغتروا حتى تنظروه عند النهي والأمر ." بنى زاوية في جبل الهكارية قرب الموصل ، وانقطع للعبادة حتى توفي ودفن فيها سنة 557 هـ ( ) .
• السيد أحمد البدوي : أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني، أبو العباس البدوي ، المتصوف ، صاحب الشهرة في الديار المصرية . أصله من المغرب ، ولد بفاس ، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة. ودخل مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس ، فخرج لاستقباله هو وعسكره ، وأنزله في دار ضيافته . وزار سورية والعراق سنة 634هـ ثم عاد إلى مصر سنة 637 هـ حيث استقر في مدينة طنطا ، بعد رحلته إلى العراق التي قابل فيها الشيخ عبد القادر الجيلاني (؟)( ) . وعظم شأنه في بلاد مصر فانتسب إلى طريقته جمهور كبير بينهم الملك الظاهر . وتوفي ودفن في طنطا سنة 675 هـ حيث تقام في كل عام سوق عظيمة يفد إليها الناس من جميع أنحاء القطر المصري احتفاءً بمولده . لم يذكر له مترجموه تصنيفًا غير (حزب - خ) و (وصايا) و (صلوات - ط) وقد أفرد بعضهم سيرته في كتب ، منها كتاب (السيد البدوي - ط) لمحمد فهمي عبد اللطيف . وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته : أصله من الشام ثم سكن والده المغرب وولد أحمد البدوي في زقاق الحجر بمدينة فاس المغربية سنة 596 هـ في عهد الخليفة الموحدي الناصر محمد 610 هـ ( ) .
أما الفقرة الثانية المتضمنة :
(2) تلمذته على الشيخ أبي بكر بن معيوف الدمشقي ، فهذه التلمذة لم تثبت تاريخيًا ، فصاحب الترجمة هو محمد بن حَميد بن مَعْيُوف بن بكر بن أحمد ابن معيوف بن يحيى بن معيوف ، أبو بكر الهمداني الشيخ الصالح من بيت سَوَا الدمشقي : محدث ، فقيه . ذكر ابن عساكر في ترجمته له من شيوخه الذين روى عنهم الشيخ محمد بن المعافى الصيداوي ، وأبا العباس أحمد بن الحسن بن علي ، والحسين بن علي بن عوانة الكَفْربَطنَائي ، ومحمد بن حصن الآلوسي ، ومضاء ابن مقاتل الأذَني صاحب لوين ، وعبد الرحيم ابن محمد بن مجاشع أبو علي الأصبهاني الحافظ المجاشعي ، وأبو بكر محمد بن علي بن أحمد بن داود بن علان ، وجماعة . وعنه تمّام الرازي ، ومكّي بن محمد بن الغَمْر، ومحمد بن عوف المُزَني ، وعلي بن سمسار، وأبو الحسن المَيْداني ، وآخرون . توفي في عشر السبعين وثلاثمائة( )
ومن تلاميذ أبي بكر – صاحب الترجمة - الذين رووا عنه : الحسن بن علي بن محمد ، أبو علي القطني الموازيني . وسأفرده بدراسة خاصة – إن شاء الله تعالى – وقد وردت ترجمته في تاريخ دمشق ، ولم يذكر تاريخ ولادته ولا وفاته .
وهذا يدل على الانقطاع التاريخي بين حياة الرجلين – أعني أبا بكر ابن معيوف وحسن الراعي - وعدم حصول أي اجتماع أو لقاء بينهما ، فضلاً عن تلقيه العلم عنه وتتلمذه عليه ، فالفترة الزمنية بين وفاة الشيخ أبي بكر بن معيوف ( حوالي 370 هـ ) وولادة الشيخ حسن الراعي ( حوالي 533 هـ ) تقدر بحوالي 167 سنة .
أما الفقرة الثالثة المتضمنة :
(3) وصف الشيخ أبي بكر بن معيوف بـ " الفقيه والشاعر والمحدث " فتحتاج إلى تسليط بصيص من الضوء عليها ، فوصفه بالفقيه والمحدث فهذا أمر لا غبار عليه ، وقد وصفه العلماء بذلك قبله ، أما وصفه بالشاعر فهذا ما لم أجده في ترجمته فليتأمل !!؟
أما الفقرة الرابعة المتضمنة :
(4) تلمذة الشبخ عبد العزيز الكتاني عليه وتلقيه العلم عنه ، فهي أيضًا مثل سابقتها غير ثابتة تاريخيًا للعلة السابقة نفسها : " الانقطاع الزمني " بين وفاة عبد العزيز الكتاني وولادة حسن الراعي ، وتقدر فترة الانقطاع هذه بحوالي 71 عامًا فقد ورد في ترجمته ما يلي : هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سليمان التميمي ، الدمشقي ، أبو محمد الكتاني ، الصوفي الحافظ الثقة المؤرخ المحدث ، قال الذهبي في ترجمته : " الإِمَامُ الحَافِظُ ، المُفِيدُ الصَّدُوْقُ ، مُحَدِّثُ دِمَشْقَ . ولد سنة 389 هـ ، رحل الى العراق والجزيرة وسمع فيها الحديث ، وأخذ عن القاضي عبد الوهاب ، وَسَمِعَ : تَمَّام بن مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ ، وَصَدَقَة بن الدَّلم ، وَأَبَا نَصْر بن هَارُوْنَ ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بن أَبِي نَصْرٍ ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطَّان ، وَخَلْقًا كَثِيْرًا بِدِمَشْقَ ، وَأَحْمَدَ وَمُحَمَّدَ ابْنَي الصيَّاح بِبلَد ، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ ابن الحمَّامِي ، وَعَلِيِّ بن دَاوُدَ الرَّزَّاز ، وَمُحَمَّد بن الرُوزبَهَان ، وأبي القاسم الحرفِي ، وَخَلْق بِبَغْدَادَ ، وَسَمِعَ بِالمَوْصِل وَمَنبِج وَنصِيْبين ، وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازل حَتَّى إِنَّهُ كتب تَارِيخ بَغْدَاد عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب . حَدَّثَ عَنْهُ : الخَطِيْب البغدادي ، وَالحُمَيْدِيّ ، وَأَبُو الفتيَان الدِّهِسْتَانِي ، وَأَبُو القَاسِمِ النسيب ، وعبد الكريم بن حَمْزَةَ ، وَإِسْمَاعِيْلُ بْن السَّمَرْقَنْدِيّ ، وَأَحْمَدُ بنُ عَقِيْل الفَارِسِيّ ، وَأَبُو المُفَضَّل يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم . " وكان شيخ هبة الله الأكفاني الذي طاف به وأراه آثار دمشق ، ومنها قبور الصحابة . من آثاره : ذيل على كتاب الوفيات لابن زبر( ) . قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا : كتَبَ عَنِّي ، وَكَتَبتُ عَنْهُ ، وَهُوَ مُكْثِر مُتْقِن . وَقَالَ الخَطِيْبُ : ثِقَةٌ أَمِيْن . وَقَالَ ابن الأَكْفَانِي : كَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَة صَدُوْقاً سلِيمَ المَذْهَب . ومما يجب التنبه إليه أن الخطيب البغدادي الذي اتهم بتدليس الشيوخ كان يدلس اسمه - على ما نبه إليه ابن الأكفاني - حيث كان يذكره باسم «عبد العزيز بن أبي طاهر الصيرفي » . وتوفي عام 466هـ( ) . ولا بد لنا من الإشارة هنا إلى غلط طفيف وقع فيه الأخ الباحث سعد الدين ، وهو أنه جعل اسم أبي صاحب الترجمة محمد بدلاً من أحمد !! ومن الواضح من ترجمته السابقة أن اسم " محمد " وارد في كنيته ، حيث كان يكنى " أبا محمد " ، وهو جده ، وليس اسمًا لأبيه ؛ وهذا ليس خطأ في تقديري إذ كثيرًا ما ينسب بعض الناس إلى أجدادهم بدلاً من آبائهم المباشرين جريًا على طريقة العرب !! .
وسبب هذا اللبس والخلط في تقديري ونظري هو ما أورده ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان : ج5 ، ص 1417 ( مادة قطنا ) حيث قال ما نصه : (( قطنا : من قرى دمشق . منها الحسن بن علي بن محمد ، أبو علي القطني : روى عن أبي بكر محمد بن حميد بن معيوف ، روى عنه عبد العزيز الكتاني . قاله : الحافظ أبو القاسم )) . ولم ينتبه المؤلفان إلى اختلاف سلسلة نسب المذكور عن نسب الشيخ حسن الراعي ، واكتفيا بتشابه الاسم الأول فقط أولاً ، فنسب حسن الراعي كما ذكرته المصادر التاريخية ، والذي ساقه الأخ الكريم الأستاذ أمين أبو دمعة هو " أبو عبد الرحيم : حســن بن محمد بن علي بن حســـــن بن علي " ، وهو مختلف عنه تمامًا عند أدنى تأمل ؛ وكذلك أنهما من قطنا ثانيًا . كما لم ينتبها إلى اختلاف كنية كلٍ منهما عن الآخر ، فالآول الذي ذكره ياقوت كنيته : " أبو علي " ، بينما كنية حسن الراعي : " أبو عبد الرحيم " ثالثًا .
هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية عدم معرفتهم بشخصية القائل الذي ذكر ياقوت اسمه مقتضبًا مبهمًا ، ولو ذكره مفصلاٌ لاستطاع الباحثان معرفته بالرجوع إلى كتابه ، ولتبين لهما وجه الصواب ، فهو الحافظ المتقن " أبو القاسم " : علي ابن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعروف بابن عساكر المتوفى عام 571هـ : " مؤرخ الشام ، وحافظ العصر، وإمام أهل الحديث ، في زمانه "، ومؤلف كتاب "تاريخ مدينة دمشق"، الذي جاء في ثمانين مجلدة ، الأمر الذي لم يسبقه إليه أحد، ولم تحظَّ به مدينة أخرى على وجه الأرض . وقد سماه : " تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها ، وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها "( ) . ومن الغريب أن الباحث أمين – زميلي الموقر - ذكر اسمه مغلوطًا هكذا : (( وقد ورد ذكر الشيخ حسن في معجم ياقوت الحموي عند الحديث عن قطنا حيث قال : " قطنا من أعمال الشام ، ومنها حسن بن محمد بن علي القطناني " ولم يزد )) !!؟ فتأمل ... مع أن ياقوت ذكر مصدره كما بينا آنفًا في نصه السابق الذكر ، وبالرجوع إليه زال اللبس – ولله الحمد - .
وهذا البيان والإيضاح يدل دلالة قاطعة على أن " أبا علي : الحسن بن علي ابن محمد القطني" المذكور أعلاه شخصية أخرى غير شخصية " الشيخ حسن الراعي " ، وأنه عاش قبله في بلدة قطنا ، ولكن مع حركة الحروب الصليبية والإبادة التي تعرض لها سكانها ، لم نعد نسمع لأسرته ذكرًا في منطقة قطنا . ولعل تشابه الاسم الأول هو الذي حصل بسببه الالتباس بين الشخصيتين لدى كاتب " قطنا بين السطور" وزميله الأستاذ أمين ، خاصة وأن أصحاب التراجم والرجال والمؤرخين كثيرًا ما يختلفون في تسمية الشخص وذكر أسماء آبائه وأجداده . وهذا ما يوقع الإنسان في اللبس والحيرة . ومن المفيد هنا أن نذكر أن صاحب الترجمة كان من المحدثين ، وأنه من عائلة " الموازيني " الدمشقية المشهورة والتي نبغ عدد من أفراها في الحديث الشريف والعلم والأدب ، والذين سطر لهم علماء التاريخ والتراجم والرجال سيرًا عطرة في كتبهم ، لا تزال تشهد لهم بالقدم الراسخة في حب حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والنهل منه ، والعمل على التحلي به في سلوكهم وأفعالهم ، ونشره بين الناس ، والاستضاءة بهديه والاستفادة من توجيهاته وإرشاداته وآدابه . نذكر منهم بالإضافة إلى صاحب الترجمة : أبو الفضل بن الموازيني : محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي العابد ، أخي أبي الحسن ، المتوفى عام 514 هـ ( ). وأبو الحسين ابن الموازيني : أحمد بن حمزة بن أبي الحسين علي بن الحسن السلمي : سمع من جده ورحل إلى بغداد في الكهولة ، توفي في عام 585 هـ ( ). وأبو الحسن ابن الموازيني : علي بن الحسن السلمي – أخو محمد – توفي سنة 514 هـ( ).
ومن الأحاديث التي رواها ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديثًا فيه صاحب الترجمة سنفرده بدراسة مستقلة – إن شاء الله تعالى - إتمامًا للفائدة ، ولبيان أن بعض أهل قطنا عنوا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وساهموا في تعليمه ونشره بين الناس ، كما يدل بصورة قاطعة على التواصل الفكري المستمر بين دمشق وأهالي قطنا ، رغم أن الأخيرة في تلك الفترة لم تكن سوى بلدة صغيرة ، لا وزن لها ولا أهمية تذكر في تلك العصور ، فنال بذلك أهل قطنا ذلك الشرف الكبير : وهو رواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – والاهتمام بالعلوم الدينية الأخرى السائدة في ذلك العصر .
الباحث :
محمود بن سعيد بن محمود بن يوسف بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ،
أبو محمد الشيخ القطناني المكي .
مكة المكرمة ، الخميس 27 / 11 / 1431 هـ .