امثال بابيات شعرية
الحكمة ضالة المؤمن أنىَّ وجدها انتفع بها، يؤتيها الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرًا كثيرًا) .. والحكم والأمثال لها فى تراثنا العربى حظ وافر، وفيض غامر، زخرت به عصور الأدب العربى من العصر الجاهلى إلى الحديث.. وإن كثيرًا من أبيات الشعر وشطورها قد جرت على ألسنة كثير من الناس حتى اتخُّذت مأخذ الأمثال .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان لسحرا" رواه البخارى، ويقول: "وإن من الشعر لحكمة" رواه البخارى أيضًا.
والأمثال مفرد مثل، والمثل كما جاء فى المعجم الوسيط هو: جملة من القول مقطعة من كلام أو مرسلة بذاتها تُنقل ممن وردت فيه إلى مشابهه بدون تغيير.
والمتتبع لكثير من أمثالنا وأقوالنا المأثورة، وحكمنا السائدة فسيجدها فى الأصل كانت بيت شعر لأحد الشعراء أو شطر من بيت فى إحدى القصائد؛ وقد قمت برصد بعض هذه "الأمثال الشعرية" ومنها:
قول الشاعر(يزيد بن ربيعة):
العبـــد يــقرع بالعصـــا
والحــر تــكفيـه الإشــارة
ويتمعنا الشاعر "أبو تمام" بفيض غزير من حكمه فى فلسفة القوة مبرهنًا بعميق فكره على أنها لغة الواقع، حيث يقول:
الســيف أصدق أنبــاءً مــن الكُتُب
فى حــدِّهِ الـحـدُّ بيــن الجـدِّ واللعبِ
- ومن سفلة الناس من يرد الجميل بالإساءة .. يقول الشاعر العربى فى ذلك (منسوبة لأبى البطحاء أو لابن أوس) :
أعلِّمُهُ الرماية كلَّ يوم
فلما اشتد ساعدهُ رمانى
- الأمومة الرشيدة خير مدرسة ينشأ فيها الجيل، وتنمو بها العملية التربوية السليمة، وفى ذلك يقول شاعر النيل (حافظ إبراهيم):
الأمُّ مدرســةٌ إذا أعددتـــها
أعددتَ شــعبً طيِّب الأعــراق
وفى القدوة السيئة لرب البيت .. يقول الشاعر العربى:
إذا كان ربُّ البيت بالدف مولعًا
فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهم الرقصُ
وقد تكون القسوة وليدة رحمة فى بعض المواقف .. يقول الشاعر العربى فى ذلك :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازمًا
فليقسُ أحيانًا على منْ يرحمُ
وفيما يتركه الأثر الطيب للإحسان فى النفس البشرية يقول الشاعر (أبو الفتح البستى) المتوفى سنة 64 هـ فى ذلك المعنى :
أحسنْ إلى الناس تستعبدْ قلوبهم
فطالما استبعدَ الإنسانِ إحسانُ
ومن الأبيات التى اشتهرت أيضًا من الشعر فكانت مثلاً سيارًا، وقولاً ذائعًا، قول "أبو العتاهية" :
ألا ليت الشباب يعود يومًا
فأخبره بما فعل المشيب
وما أحسن الشعر فى المعارك، وما أحسنه فى سكرات الموت فى سبيل الله، وما أحسنه والأبيات تتضرج بالدماء.. فتعال معى إلى "خبيب بن عدى"، أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذى سجلوا مواقف البطولة عبر التاريخ، عندما صلبه المشركون فقال وهو على الخشبة البيت الشهير:
فلست أبالى حين أقتل مسلمًا
على أى جنب كان فى الله مصرى
مع شاعر العربية
ومع شاعر العربية وحكيمها (أبو الطيب أحمد المتنبى) وحِكمه الشهيره التى تجرى مجرى الأمثال عمقاً مع الفكر الإنسانى ومع النفس البشرية فى أسرارها وأغوارها .. فمع (المتنبى) يقول فى طبيعة الدنيا وأمانى الناس:
ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركهُ
تأتى الرياح بما لا تشتهى السفنُ
ويقول (أبو الطيب) إن الدم الغالى خير ثمن للحفاظ على الشرف الرفيع:
لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى
حتى يراقَ على جوانبه الدمُ
ويقول (أبو الطيب) فى وضاعة بعض النفوس ودناءتها:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ
وإن أنت أكرمت اللئيمَ تمَّردا
مع أمير الشعراء
ومع شاعر الحكمة الموهوب ، وهبة الله للعربية شعراً، ونداً للمتنبي في ميدان الحكمة .. مع أمير الشعراء "أحمد شوقي " وحكمه التي تجري مجري الأمثال :
عندما تشذ القاعدة ويتمتع الغريب بخيرات البلد بينما يحرم المواطن الأصلي ... يقول أمير الشعراء في ذلك :
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
وفي إقامة الود مع اختلاف الرأي يقول ( أمير الشعراء ) :
اختلاف الرأي لا يفسـ ـد للود قضية
وفي الدعوة إلي خوض معترك الحياة لنيل الحقوق يقول (أحمد شوقي ) :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً
النفس المشرقة
والشاعر المهجري الفيلسوف إيليا أبو ماضي يرى أن السعادة الحقة في داخل النفس المشرقة المؤمنة بقضاء الله وقدره فهي بخير وسرور دائماً ، يقول في ذلك :
أيهذا المشتكى وما بك داءٌ
كن جميلاً تر الوجود جميلاً
الفضيلة والسلوك الطيب
وللإمام الشافعي الفقيه العالم صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة في الفقه الإسلامي نظرة ثاقبة وفلسفية في الحياة ، تحمل إلينا تجاربه ، فالإمام الشافعي شاعراً له أبيات شعرية بدرت منها الحكمة ، وبرزت فيها العبارة ، وتعددت فيها جوانب الزهد والورع .. وكثير من الأشعار التي رويت عن الإمام الشافعي والتي جمعت في ديوان باسمه قد اتخذت ( أمثالاً شعرية ) نذكر منها :
رحل الإمام الشافعي مع أمه من غزة إلي مكة ، ومنها إلي المدينة ، ثم سافر إلي اليمن ، ثم حمل إلي بغداد ، ثم عاد إلي مكة .. وقصد بغداد ثانية .. ثم إلي مصر حيث أقام فيها بقية حياته ، وقد أتاحت له هذه الرحلة وهذا التنقل فرصة واسعة لدراسة الطبائع البشرية وفهم الناس واتجاهاتهم ، وفهم الحياة ومشاكلها وقضاياها .. وفى التنقل والترحال قال بيته الشهير الذي تداولته الألسنة :
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
والإمام الشافعي يقول في تواضع العلماء كي لا يزكي نفسه :
أحب الصالحين ولست منهم
لعلى أن أنال بهم شفاعه
( إن المحب لمن يحب مطيع ) حكمة بالغة تدفعنا أن نقف مع أنفسنا نسائلها : هل نحب الله حقاً ؟!
يقول الإمام الشافعي :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
( عفوا تعف نساؤكم ) مقولة شهيرة تعبر عن المؤمن العفيف الذى يكف نفسه عما حرم الله في ظل تدهور القيم الأخلاقية في مجتمعتنا .. يقول الإمام :
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
من الناس من يرانا بعين الحب فيتغاضي عن عيوننا ، ومنهم من يرانا بعين ساخطة فيهول الهين أملاً في أن تشيع المساوئ بين الناس ! ورغبة في فضيحتنا ! .. وفي ذلك يقول الإمام الشافعي :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
اتمنى ردود
وانشالله تعجبكم