كانت أمي قد اتصلت بي بعد الانفجار قرب المسجد بركن الدين
يوم الجمعة 7 أيلول تسأل: ان شالله ما ارتعبتِ؟!
- ارتعبت؟!.. من شو؟!.. قصدك ركن الدين؟..
لا.. أصبح الأمر عادياً لكثرة أصوات الانفجارات التي نسمعها آتية من كل حدب وصوب.
وفي المساء، وعلى قناة فضائية تستضيف
أحياناً عضوين معتوهين من النبيحة المأجورين،
من ما يسمى "النادي الاجتماعي السوري"،
أحدهما يدعى هيثم سباهي، والثاني اسمه عمار وقاف..
كان هذه المرة دور عمار ليكشف لنا أن
"الناتو لم يتدخل بسبب قوة الجيش العربي السوري"!!
وتأكيداً للاستنتاج "الذكي" لعمار وقاف؛
فقد أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي للمرة (....) دون كلل أو ملل،
وحتى ندرك ما استعصى علينا إدراكه من تكراراته السابقة لموقفه الصلب،
ونحن نشحد على بابه، أنه "ليس لدى الحلف أية نية للتدخل في سورية"،
في حين أكّد صفيق آخر يدعى هيغ أنه
" لايمكن تقديم أية أسلحة إلى سورية بسبب الحظر الجوي..
والحل هو تسوية سياسية"!!
(شوفوا مدى الالتزام البريطاني والأوروبي بالقوانين التي وضعوها هم!..
ويبدو أن حظر توريد الأسلحة لا يشمل النظام فقط،
أو أن من وضع ذلك القانون ليس بقادر على جعله مقصوراً
على النظام الذي يقتل شعبه فقط..
اي، روحو استحوا على حالكم، وقد بانت منذ زمن عوراتكم،
يا قليلي الحياء والانسانية، وأعلنوها صراحة أنكم "أعداء الشعب السوري"!).
***
كان أول خبر طالعته على الشبكة العنكبوتية
قبل أيام من مصادر صحافية روسية خبر مفاده أن
القيادة الروسية طلبت من بشارون مغادرة سورية قبل نهاية أيلول،
وتفويض شخصية غير عسكرية لقيادة المرحلة الانتقالية
وفق ما جاء في ميثاق جنيف..
فقد شعرت روسيا بفشل النظام في قمع الثورة،
وخاصة بعد أن خسر رهاناته على كل من دمشق وحلب،
كما خسرت روسيا بوتين (رغم القمع) رهاناتها على قدرة النظام،
وباتت تسعى لتفادي المزيد من الخسائر من أجل الحفاظ على مصالحها،
مع طرف آخر غير نظام العصابة المستولية على الحكم،
وإن كان ذلك بالحد الأدنى منها....
عزّز تلك الأقاويل ما ذكره عبد الله العمر،
المنشق عن المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي
الذي أكّد أن "كبار المسؤولين السوريين وعائلاتهم
يستعدون لمغادرة سوريا إلى روسيا خلال 60 يوماً".
وقد بدأت 300 عائلة من عائلات مجرمي النظام بالمغادرة
قبل أن يزيد بشارون من جرعة الأبادة الجماعية للشعب الذي هو ليس شعبه!
بشارون "بات منذ ستة أو سبعة أشهر قلقا جداً،
ولا ينام سوى ساعة واحدة أو ساعتين"،
وهو يتابع أخبار 16 قناة فضائية،
ويتلقى تقاريراً يومية من كل السفارات السورية..
تحدّث العمر عن التقارير التي تصل لبشارون عن المنشقين فور إعلان انشقاقهم،
لتبدأ بعدها عملية تشويه السمعة والتضليل الإعلامي،
حيث أن الفبركات تتم بالتنسيق مع المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري،
وليس في وزارة الإعلام، وكذلك هي حال التفجيرات المفبركة،
وكل المقابلات المصورة مع بشارون،
والتي تخضع للمونتاج الخاصة داخل القصر،
ثم يسلّم الشريط للقناة المعنية ببثه!
من قصره المحروس بعناصر من ايران وحزب الشيطان
تقوم بمراقبة دمشق بالمناظير،
وبعد أن يشاهد في الأخبار مقتل جنوده على أيدي الثوار،
أو اقتحامهم لمنطقة ما، يعطي بشارون الأوامر لقصف تلك المنطقة!
***
ثم قرأت عن تنظيم عسكري جديد،
تحت اسم القيادة العسكرية لحماية الثورة،
حيث أوضح المستشار السياسي للقيادة الجديدة،
بسام الدادا أنها "جهة تعلو الجيش الحر ولا تلغيه "!
وأنها "لمواجهة محاولات سرقة الثورة السورية
بالإعلان عن تشكيلات عسكرية لا يرضى بها الجيش الحر ولا المعارضة السورية،
وذلك في إشارة إلى تشكيل الجيش الوطني،
الذي أعلن عن تأسيسه بقيادة اللواء محمد علي الحاج"!
ويبدو أن العدوى انتقلت من صفوف المعارضة السياسية
إلى صفوف المعارضة العسكرية؛
فكل فصيل يخشى على الثورة من السرقة،
وكل واحد يريد أن يكون رأساً لتكون له من حصاد الثورة حصة "محرزة"!!
وكما يتبادل المجلس "الوطني" الاتهامات مع هيئة التنسيق "الوطنية"
أو مع مجلس "أمناء" الثورة، يتبادل العسكريون ذات الاتهامات!!
رياض الأسعد يعترض على تسمية الجيش "الوطني"
ويصر على صفة "الحر"،
وقائد الجيش الوطني يعتب على الأسعد لعدم انضمامه تحت لوائه!..
ثم ماذا عن رضا الجيش الحر والقيادة العسكرية
لحماية الثورة عن بعضهما البعض؟!!
والله أنهكتمونا وأهلكتونا أكثر مما فعلت
فينا التصريحات الدولية الغبية الوقحة أو المخادعة،
وتخاذل الشرق والغرب والعرب والعجم معاً..
وكلما زاد سيلان الدم السوري زادت الانقسامات
بدل أن تتناقص ثم تتلاشى،
والشعب المنكوب هو وحده من يدفع الفاتورة!
الدم يسيل في الشارع السوري، ودمي يفور حنقاً،
ولا شيء يخفف من حدة توتري سوى خبر ايجابي
تلا ذلك الخبر المسبب لارتفاع الضغط،
وهو أن شباناً فلسطينيين من سكان أحياء التضامن ومخيم فلسطين
شكلوا كتيبة قتالية سموها "أحرار فلسطين"
وأعلنوا انضمامها إلى صفوف الجيش الحر لمواجهة نظام الغدر والمخادعة،
المسمّى تلفيقاً بنظام الممانعة والمقاومة،
والذي قصف مخيماتهم الدمشقية التي لجؤوا إليها
بعد اغتصاب فلسطين،
كما قصف أهالي الحجر الأسود من نازحي الجولان المباع.
***
حريق كبير التهم منازل حي منكوب في حلب،
وكم آلمني منظر الأهالي الذين مُنعت سيارات الاطفاء من التوجه إليهم،
ولا عجب.. ما زال من يصدر أوامر عدم إرسال السيارات
هو نفسه من يرسل أوامر إشعال الحرائق!
آلمني جداً منظر الأهالي، ومنهم شيخ طاعن في السن،
وهم يهرولون ويحاولون جاهدين إطفاء النيران المستعرة
بما يتيسر لهم من أوعية صغيرة لا تفي بالغرض.
طائرات المجرم المعتوه بشارون ما زالت تقصف حلب
بعد أيام من ذلك الحريق، وبعد الحرائق ها هي تقطع عنها مياه الشرب
بعد تدمير أنبوب رئيسي للتوزيع في حي بستان الباشا شمال المدينة.
المياه العزيزة جداً على بلاد الشام المحكوم عليها فوق الظلم بالقحط،
تنساب سيولاً في أحياء حلب التي يستصرخ الناس فيها،
ولا من مجيب، وقد لاح لهم خطر جديد للموت هو الموت ظمئاً!
أضع يدي على فمي وأكتم صرخة من هول المشهد وأبكي...
***
على قناة فضائية أخرى يطلع وجه نبيح جديد اسمه
محمد نصّور، و"ذكي" كالعادة..
يبدأ نصّور حديثه بنقد الاعلامية،
التي استضافته وأوردت خبر جريمة نظامه ضد حلب، قائلاً لها بكل وقاحة:
لا قصف على حلب، وقد كان الأجدر بك أن تقولي:
قصف على المتمردين المسلحين!
ابتلعت المذيعة على مضض نقده،
وطلبت منه أن يحدد لها أماكن اولئك المتمردين التي تقصف،
وبعد أن تركته يحدّد لها هويات الارهابيين:
إنهم من أفغانستان والشيشان و... وبعضهم من "جنسيات" أردنية
(لاحظوا صيغة الجمع: ففي الحقيقة أنني لم أكن أعلم أن الاردنيين
يتمتعون بعدة جنسيات أردنية!).
ثم يعدّد لها ثلاثة أرباع أحياء حلب،
صفعته باستنتاج بديهي: إذن.. حلب تُقصف!
ثم عاجلته بسؤال: إن كنتم تقصفون الارهابيين فقط؛ فلماذا يهرب السكان؟!
وهنا جاء الرد الذكي: يخرج المواطن كي لا يقع رهينة في أيدي الاهابيين!
***
أتصل لبعض شأني برجل دمشقي من معارفي يسكن في زملكا،
وبعد سؤاله عن حاله وحال الزوجة والأولاد، يسألني هو:
ألم تسمعي بما حدث لنا؟
- لا والله.. خير ان شاء الله؟
- راح البيت!
- شو؟!!
- كان مقاتلاً من الجيش الحر يستفز برشاشه جندياً في دبابة؛
فما كان من الجندي إلا ان صوّب فوهة المدفع باتجاه المقاتل؛
فأخطأ الهدف في المرة الأولى، وأصاب منزلنا في المرة الثانية!
- يا إلهي.. وما هو حجم الضرر؟.. أرجو أن لا يكون قد أصابكم مكروه.
- خرجنا، والحمد لله، من تحت الأنقاض سالمين،
ولكن البيت تهدّم بشكل شبه كامل لما فيه، وراحت الورشة.
- فداكم.. المهم سلامة أرواحكم.
- خرجنا بملابس البيت وأعطانا الجيران ثياباً من عندهم ريثما نتدبر أمورنا،
وأنا الآن أقطن مع زوجتي وأولادي عند أختي حتى يأتي الفرج من الله.
ألتقي في الشارع عند البيت بابنة جارتي
التي لجأت إلى بيت أمها بعد أن عاث جنود الأسد في بيتها تحطيماً،
وأسألها عن حالها؛ وإن كانوا قد وجدوا شقة للاستئجار؛ فتقول لي:
لقد وعدونا في المكاتب العقارية خيراً بعد ان تفتح المدارس!
- بالعكس.. الأمور ستزداد عندها تعقيداً؛
فإلى أين سيذهب النازحون الذين التجؤوا إليها؟..
هم لن يستطيعوا العودة لأحيائهم، وقد تهدمت منازلهم..
وماذا عن منزلكم في داريا؟.. هل هدات الأمور هناك؟
- بالعكس.. الأهالي يتخوفون من انتقام جديد،
وما خفي هو أعظم مم عُلم من بشاعات.
وحدثتني عن امرأة توهمت أنه ستستدر عطف الجنود،
إذ أشارت إلى زوجتي ابنيها قائلة لهما أنهن حوامل؛
فما كان من جنود الوحش إلا أن بقرا بطنيهما!!
***
في القاهرة رباعية لمبادرة جديدة، ومندوب أممي لا يقدّم ولا يؤخّر..
في حلب يتم توحيد الفصائل المقاتلة في مجلس ثوري واحد فيفرحني الخبر..
وفي حلب أيضاً، يتم إعدام حوالي 20 جندياً من جنود الأسد
الذين رفضوا الاستسلام أو الانشقاق،
بعد الاستيلاء على ثكنة هنانو،
ويتم عرض صورجثثهم الملقاة صفاً واحداً على طرف الرصيف...
المنظر صادم، وقد ظننت للوهلة الأولى،
وقد رأيت الصورة دون ان أعي الخبر،
أنهم جنود منشقون قتلهم النظام غدراً وألقى جثثهم على قارعة الطريق،
كما هي عادته..
كم كنت أتمنى من الثوار لو أنهم لم يعرضوا هذا المشهد..
فهل يتشبه ثوار حلب بأخلاق النظام؟!
بعد إعدام الشبيحة من آل بري،
والضجة الاعلامية التي سببها،
تم وضع ميثاق للالتزام بالمعايير الأخلاقية في التعامل مع الأسرى،
(وهذا يجب أن يشمل احترام جثامين القتلى)،
ولكن يبدو أن فورة الدم أقوى من تحكيم العقل.. للأسف!
أقول ذلك ثم أستذكر ما أراه وأسمعه،
ومنه ما ذكرته لي ابنة جارتي عن تلك المجزرة في داريا..
نحن لسنا ملائكة ولا أنبياء،
بل بشر عاديين لنا الحق في أن نخطئ،
ولكن لنحاول جهدنا ألا نتخلّق بأخلاق النظام..
وليمدنا الله بالمزيد من الصبر والصلابة والقدرة على التحمّل.