عجباً لزمن باتت فيه عِزّة وأَنفة السوريين
مَحطَّ أخذٍ وردّ على ألسن الخاصّة والعامّة
في هذه الزمان الغريب،
وسحقاً لزمنٍ باتت مأساتنا نحن السورييون سلعة اعلامية
تلوكها الألسن بوحشيةٍ
يقفُ الخيال أمامها مُتضائلا وتمجّها الأذواقُ.
ولكن ماكان لتلك الافواه ان تنطق سوءا علينا أهل الشام
لوما ان فريقاً منا نحن السوريون
بَغا و أوغل في دماء شركائهم في الوطن.
خلقنا الله نحن السوريون
واقولها بصوت عالي- شعباً عزيز النفس عاليها
فالسوريّ كان وسيبقى يختصر الكرامة بين دفتي صدره
وعارٌ على الدنيا كل الدنيا ان تاتي
على ذكر السوري بغير التقدير والاحترام.
كان لا بُدّ لهذه المقدمة بمعرض كلامي عن التسعير
والبازار الاعلامي في تصوير معاناة أهلنا النازحين واللاجئين
واستغلالها بأرخص الطرق وأتفهها من قبل الكثير
من وسائل الاعلام وأولها القنوات الموالية للنظام السوري.
وهنا اخص بالنقاش قضية اللاجئيات السوريات في دول الجوار
وتحديدا الاردن، مصر، ولبنان وتركيا،
وحديثي يتمحور عن اللغط الاعلامي النازل بقضية الزواج
من السوريات العفيفات الجميلات خلقاً وخلقاً
السيدات الماجدات امهاتنا واخواتنا وبناتنا.
أول من بَدأ هذه الحملة المغرضة والمنظمة
كانت قناة الدنيا "السّورية" الموالية والمُمّولة
من قِبل النظام السوري والتي في شهر سبتمبر عام 2011
بدات تروج لكذبة إغتصاب لاجئات سوريات في تركيا
حيث عرضوا تقريرا تلفزيونيا وهميا لاشخاص مفترضين
يدعون بان حوالي 400 عفيفة سورية تعرضن للاغتصاب
على أيدي –العصابات المسلحة الاسلامية وبعض الاتراك
ومن ثم قامت صحيفة تركية مشبوهة ومغمورة بكتابة
"سبق" صحفي يفيد بان هنالك انباء عن وجود 250 حالة حمل
في المخيمات السورية ولكن الحقيقة المؤكدة
هي ان هذه النسوة كن متزوجات
وحوامل من ازواجهن في مخيم بوينويوغون التركي.
وقد تم اطلاق حملة التشويه هذه بعد فشل دعوات اقناع
اهلنا اللاجئين بالعودة لسوريا الوطن
وبعدما ثبت خبر اعتقال العشرات ممن عادوا من المخيمات
ولا سيما عوائل الضباط منهم بتهمة الاشتراك
في المؤامرة الكونية ضد سوريا
وبتهمة تحقير السلطات السورية والسفر لدولة عدوة.
علماً ان التقارير الدولية لهيئات حقوق الانسان الاممية
أكدت بما لا يدعو للشك أن التقارير المفيدة
بحدوث حالات اغتصاب في المخيمات التركية
عارية تماماًعن الصحة وأن الهدف من ورائها
كان سياسيا بامتياز ويهدف لتشويه صورة اللاجئين السوريين
كما ورد في تقرير للامم المتحدة وللجنة التحقيق التركية أنذاك.
ويبدو أن هذا الخبر كان كفيلا بان يكون ككرة الثلج
لكثير من القنوات اللتي ليس لمراسليها هَمّ
سوى صناعة تقرير مؤثر يرفع من شانهم الصحفي
بعيدا عن ابسط القيم الانسانية واحترام هيبة وعِزّة السوريين.
فكانت أن توالت تقارير اخبارية من الاردن في شهر فبراير
ومارس 2012 تزعم بان المئات من السوريات
اللواتي نزحن مع أطفالهن وأولادهن يتم ابتزازهم
تحت وطأة الحاجة من قبل اشخاص اردنين واخرين
من الخليج العربي ليزوجوا بناتهن من دون مهر
أو"يستروا" على بناتهن المغتصبات.
وافردت صحف الكترونية ومحطات تلفزة اردنية
ولبنانية وسورية موالية وخليجية غير مسؤولة
تقارير مغرضة تفيد بان هنالك حالات واسعة من الزواج
بسوريات في الاردن (ولبنان)
وان هذا يزيد العبء الاجتماعي على هذه البلدان،
وزادوا في ذلك بتصوير وجود ظاهرة واسعة من البغاء
بين اللاجئات ولا سيما في مخيم الزعتري شمال الاردن
عِلماً ان هذه التقارير عارية تماما عن الصحة
حيث أفادت المحكمة الشرعية العليا في الاردن
بان حالات الزواج من السورييات عام 2012
والعام اللذي قبله سجلت انخفاضا كبيرا و بنسبة 40 بالمئة
عن مثيلاتها من الاعوام السابقة للثورة السورية.
وأوضحت المحكمة الاردنية بان التقارير اللتي تفيد
عن حالات زواج سري او مدني غير شرعي في الاردن
ولبنان لا تعدو عن كونها حالات فردية ولا تتجاوز عدد اصابع اليد
كما ان وزارة الداخلية الاردنية اصدرت تعلميات
تقضي بالتشدد في قضية الزواج من السوريات
الا من ذوي القربى وضمن شروط شديدة
وهذا يكذب هذه التقارير الاعلامية جملة وتفصيلا.
في الجزائر تناولت بعض الصحف وبطريقة غبيّة
وبلغة خشبية موضوع الزواج من السوريات
وافادت احداها بان "إذاعة هولندا نشرت تقريرا
أوضحت فيه أن عددا من الشباب العربي،
خاصّة في الدول التي توجّهت إليها العائلات السوريات،
من بينها الجزائر قد تقدّموا بطلبات الزّواج
مستغلّين ظروفهن الإنسانية،
ما أسهم في رخص تكاليف الزّواج بهن،
مستدلّة بتقرير نشره موقع إخباري أردني
يشير إلى ارتفاع عدد الطلبات التي تقدّم بها السعوديون
لدى وزارتهم بالأردن للموافقة
على طلب الزّواج من اللاّجئات السوريات،
فضلا عن قَبول السوريات الزّواج بالجزائريين
بمهر لا يتعدّى 5 آلاف دينار لانتشالهن من الشارع
واعتبر عدد من الأئمة في الجزائر في خطب الجمعة
حسب الإذاعة الهولندية
أن الزّواج من اللاّجئات السوريات
هو واجب وطني باعتبار الدولة هي من فتحت أبوابها للهاربين
من الحرب الدائرة في سوريا والتزمت بالتكفّل بهم،
وأن الزّواج منهم وجه من وجوه التكفّل به،
حيث دعوا جميع الجزائريين المقتدرين ماديا
حتى ولو كانوا متزوّجين إلى ستر اللاّجئات السوريات
وانتشالهن من الشارع ومن ذلّ التسوّل الذي اخترنه طواعية،
خاصّة وأنهنّ غير مكلّفات وظروفهن الاستثنائية
تحول دون أن يشترطن الكثير في مهورهن
ولكن الحقيقة وراء هكذا اخبار
رَدّ عليها الشيخ والامام الجزائري
عبد القادر حموية حيث قال ان السوريون:
أكرم وأشرف من أن يرموا بناتهم من أجل الحصول على الإقامة
ليضيف أن المساحة الضيّقة التي منحت لحرّية اللاّجئين السوريين
جعلتها محلّ استغلال من طرف بعض الاشخاص
وليفنّد صدق كل هذه الاقاويل والروايات.
في مصر تناقلت عدة قنوات تلفزيونية وصفحات
ع الفيس بوك خبرا يفيد بان هناك ظاهرة ابتزاز
للسورييات واستغلال لظروفهن المعيشية السيئة.
وزعم التقرير بان عدد زيجات المصريين من اللاجئات
السوريات بلغ 12 ألف حالة زواج خلال عام 2012 لوحده
ودعت احد الصحف وزير الداخلية المصري والرئيس المصري
لوقف زواج السوريات الموجودات كضيوف بمصر
من الشباب المصري مقابل 500 جنيه
(نحو 73.5 دولاراً امريكيا) للزوجة.
وبين التقرير أن هذه الظاهرة تنتشر في مدن 6 أكتوبر،
والقاهرة الجديدة والعاشر من رمضان ومحافظات الإسكندرية،
والدقهلية بالإضافة إلى الغربية وقنا.
ولكن الحقيقة اوضحتها وزارة العدل المصرية
والتي أصدرت بيانًا رسميًا
حول عدد زيجات المصريين من السوريات،
حيث أكد البيان أن عدد حالات زواج المصريين
من سوريات رسميا بلغ حوالي 170 حالة فقط
وذلك خلال 15 شهرا من أول عام 2012
وحتى نهاية مارس 2013
مكذباً كل التقارير التي تحدثت عن 12 الف حالة زواج.
أما في لبنان - الشقيق في عروبتنا وفي شاميتنا
فمنذ الايام الاولى للجوء السوريين كان هنالك سياسة ممنهجة
من قبل بعض الاطراف لتشويه سمعة السوريات
من خلال نشر انباء محض افتراء تفيد بارتفاع
وتيرة الولادات القيصرية في صفوف نساء سوريات ببيروت،
ومخاوف من عدم ايجاد سقف يحمي المواليد الجدد
وزعمت بعض مؤسسات المجتمع المدني
بانها رصدت العديد من الإنتهاكات بحقّ اللاجئات السوريات
"وأنهن تعرّضن لشتى أنواع الذّل،
وتمثّلت بشكل كبير بعدم القدرة في الوصول
إلى الخدمات الصّحيّة والتربويّة والرعائيّة،
إضافةإلى العنف الجسدي والزّوجي والجنسي،
والتحرّش الجنسي، الإرغام على الزّواج كنوع من الحماية،
كما تبرزظاهرة الإتجار بالبشر وبيع النساء،
والإرغام على العمل الجنسي مقابل بدل مالي".
وأخذالامر انعطافة جديدة حملت نوعاً جديداً من التجنّي
والكذب والإفتراء على السوريين اللاجئين منهم
وغير اللاجئين من خلال قناة
غسان بن جدو الخبيث
وحديثه الافتراضي عن جهاد المناكحة
وان الكثيرين من نسائنا السوريات والعربيات
انما هن خدينات لثوار سوريا وان احد شهود العيان
أخبر بن جدو بأنه رأى في جعبة احد القتلى الجهاديين
السلفيين ستين منديلا معطرا وحبتي فياغرا!!
علماً ان مثل هكذا فتاوي لم تصدر قطعاً عن اي شيخ
وانما كان محض افتراء مثلُها مثل الفيديو
الذي عرضته قناة الميادين وادّعوا بانه لمجاهدات سوريات
في حين انه كان لنساء من البلقان ايام الحرب الاهلية هناك.
واما اخر تقليعات تشويه صورة المرأة السورية
جاءت من بعض صحافة العراق ولكن هذه المرة
بديباجة جديدة حملت عنوان
"المتسولات السورييات ينافسن من خلال جمالهن
قريناتهن من المتسولات العراقيات
في محافظات الموصل وكردستان العراق"
حيث نقلت بعض المتسولات العراقيات المفترضات
بان "المتسولات السوريات ينزلن إلى الشارع
بملابس جميلة وضيقة ويضعن الماكياج لإثارة الطرف الآخر.
لهذا استطعن بفنونهن إزاحة أكبر عدد من المتسولات".
علما أن معظم صحف الوطنية العراق
أدانت مثل هكذا ابتذال في الطرح
واسفاف في تقديم معاناة اهلنا السوريين.
بالختام نقول ان سموم أقلام بعض الكتّاب
أشد قسوة من نابالم القنابل ودمارالبيوت على رؤوس ساكنيه
وهذا الاستغلال الاعلامي البشع لمعاناة أهلنا اللاجئين
والمسّ بسمعتهم وتحقير أمرهم في عيون الجماهير
انما يعمق من جراحنا نحن السوريين.
وبهذا المقام لا ننكر بان قسما من هذه التقارير الاعلامية
والكتابات ربما تكون نابعة مِن وعن نية صادقة
وبدون نوايا خبيثة وانها انبرت لتسلط الضوء
على المعاناة بهدف ايجاد حلول لها
ولكن غالبها كان سواء بقصد او بغير قصد يسيئ
لاهلنا مما دفع ويدفع مئات الالاف من أهالينا في الداخل
بان يُفضّلو الموت قصفاً بالراجمات بدل أن يموتو رجماً بالكلمات.
والعبرة من وراء هذا السرد
هي انه لا بدّ لهذه الغمة يوما ما ان تنجلي
عن ارض وسماء سوريا ويذهب الخبرالاعلامي
ويبقى الاثر الدامي له راسخا في ذاكرة شعبنا
الشعب السوري العظيم بكل شئ بتضحياته وبعذاباته وبصبره.
د. طه كريم رجب
باحث في أصول التربية والتدريس
سوريّ مُقيم ببريطانيا