الشعور العميق بالتقدير لرسول الله - صلى الله عليه وسلميأمرنا الله تعالى في كتابه العزيز بطاعة خاتم رسله، محمد، صلى الله عليه وسلم وطاعته تكمن في اتباع سنته. واتباع السنة بصدق وإخلاص لا يمكن أن يتحقق إلا بالفهم العميق للمكانة التي يوليها القرآن لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم . فالمؤمنون، بمختلف أعمارهم، يحثهم القرآن على حفظ المكانة القرآنية التي منحت لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم . فالشعور العميق بالتقدير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاندماج الواعي والدقيق مع السنة لا يكون إلا بفهم مكانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في القرآن
أولا - عدم تقديم النفس على الرسول صلى الله عليه وسلميصرح الله تعالى في القرآن أن أنبياءه ورسله لهم مكانة خاصة بين المؤمنين. فرسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم مبشر ونذير عن الله في الأرض، فهو تجسيد للخلق الإسلامي، وهو زعيم المؤمنين الذي لا يخشى أحدا إلا الله، ويخضع له، ويخلص له الطاعة. فهو الأسوة الحسنة للمؤمنين في جميع شؤونهم. فعين الله ترعاه، وعنايته تحفظه. فهو لا بنطق عن الهوى .ولهذا فإن المؤمن عليه أن يقدم رسول الله محمدا، صلى الله عليه وسلم، على نفسه،
كما تقرر ذلك في هذه الآية :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ) الأحزاب 36
وبسبب هذه المكانة المتميزة أمر الله المؤمنين بنصرة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ودعمه :
.(فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف: 157
.(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 128
ثانيا - عدم الاستهزاء بحضرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم :.كما بين الله تبارك وتعالى، في القرآن، فإن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم عبد إختاره ليكون نذيرا للعالمين وهو ذو موهبة بالغة في الفطنة والنباهة، وفي رجاحة العقل، والحكمة، وهو بذلك متميز عن بقية المؤمنين. إنه يجسد كمال القيم للمؤمن الحق. لهذا فالمؤمنون مطالبون بالأخذ بعين الاعتبار توقير هذه المكانة الخاصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم واعتبار أفضليته التي لا تضاهى، وإبداء الشعور بالحب والاحترام نحوه، ونصرته، واتباعه.
كما يذكر الله ذلك في القرآن:
.( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
الحجرات 1
والاستهزاء بالرسول، صلى الله عليه وسلم، يأخذ أشكالا كثيرة، منها الحط من نباهته، أو اللامبالاة لحديثه، وقد يقع المؤمن في شيء من هذه المسيئة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع أن المؤمن عليه بالاحتراس حتى لا يتعدى حدود الله من حيث لا يدري.
ثالثا - عدم رفع الصوت فوق صوت رسول الله، صلى الله عليه وسلم:.كما سبق وأن أشرنا فإن رسولنا محمد صلى الله عليه له مكانة خاصة ومميزة، بالنسبة إلى المؤمنين، وآيات القرآن تبين ذلك بوضوح. وفي هذا فإن الله تعالى قد فصّل كل صغيرة في كيفية التعامل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك طريقة الكلام، ودرجة رفع الصوت، لأن في ذلك قاعدة للفهم الصادق والصحيح للاحترام :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الحجرات 2
فالله يذكر المؤمنين بعدم رفع أصواتهم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما يفعلون فيما بينهم، والجدير بالانتباه في هذه النقطة هو أنها علاوة عن كونها من اللباقة في التعامل، فهي توصية إلهية. والإشارة إلى حبط الأعمال في السلوك المخالف دليل على أهمية هذا الخلق. وليس من الصحيح اعتبار هذه التوصية تحفيزا بسيطا على حسن الخلق، إنما هو أمر مطلق. وهناك من الفهم الخاطئ فيما يخص الكثير من القواعد القرآنية. إن تقدير الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو من تقدير الله تعالى، والإساءة في حق الرسول، هي إساءة في حق الله تعالى، وهذا بدليل أن سوء التعامل مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو فعل يغضب الله، عز وجل. وحتى وإن كان سوء التعامل هذا ناتجا من غير قصد فعله، فالمؤمن الذي يرفع صوته فوق صوت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو يخالف أمره، غير متعمد، فإن ذلك لا يعذره، لأنه دليل على وضاعة وحطة عقله وحكمته وطبعه،
وهذا يتعارض مع السلوك القويم الذي تصفه الآية :
( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) الحجرات 3
رابعا - عدم دخول بيوت النبي، صلى الله عليه وسلم، دون إذن :كل شكل من أشكال السلوكات المحرجة أو غير اللائقة في حق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرمه القرآن، ومن هذه الأشكال ما كان يفعله بعضهم من الدخول دون استئذان، ويتأخرون هناك من أجل انتظار الدعوة إلى الطعام، أو من أجل الاستمتاع بالحديث، كما يبين القرآن:
.( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ
غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا
وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ
وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) الأحزاب 53
إن المؤمن عليه أن يعمل كل ما في وسعه من أجل نصرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتبليغ رسالته،فهذا وجه من أوجب الواجبات التي حددها القرآن في حق المؤمن.
خامسا - عدم الامتنان على الرسول، صلى الله عليه وسلمفي التمكين للدين أو تقديم خدمة له :
.إن الله يقيّض أيّا كان، حتّى عدم المؤمنين، لخدمة دينه. فباعتبار أنّ الجنّ كانوا مسخّرين، بإرادة الله، لخدمة النبي سليمان، عليه السلام، كما ورد ذكره في القرآن الكريم. فالمؤمن والكافر، كلاهما، يمكنه أن يكون وسيلة لاستكمال أمر الله. فالله هو الذي يملك الإرادة والقدرة، ويمكنه ابتداء أن ينصر الإسلام بأن يسخر له من (أو ما) يشاء.
.في القرآن يذكر الله تعالى، أولئك الذين دخلوا في الإسلام، معتقدين بفعلهم على أنه امتنان منهم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم :
.( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ
أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) الحجرات 17
في الآية دليل على أن الحقيقة غير ذلك، فالشخص الذي يعتنق الدين لا يُشرّف الدينَ في شيء، بل على العكس الدين هو الذي يشرّفه.في آيات كثيرة، يصرح الله بأنه يستبدل الأقوام الذين يعرضون عن أوامره بأقوام آخرين :
{ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } محمد 38
إن المؤمنين أكثر من غيرهم، يجب عليهم أن يحفظوا هذا التوبيخ. فإن الله، لا محالة، يجازي المؤمن الذي يبحث عن موافقته بقلب مخلص، واهتمام صاف.
سادسا - موافقة سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بإرادة وإخلاص :.
إن المؤمن يجب أن يطيع أوامر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وذلك بامتثال أحكام رسول الله، صلى الله عليه وسلم. يجب عليه ألا يجد أدنى ضيق، ولا أدنى حرج في قلبه. إنه يعلم أن كل ما يأمر به الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، صِدق، وأنه خير الهدي، وأنه طريق الخلاص. الشيطان أحيانا، يزرع عقبات في طريق المؤمن، ليصده عن سبيل الله، ولهذا، واعتقادا منه بأن كل أوامر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، هي أفضل السبل بالنسبة إليه، فإن المؤمن ينقاد طواعية. هذا الدنو الخالص المتذلل يشهد على إيمان المؤمن الصادق.
.ولكن، هذه الطاعة إذا كانت ظاهرية فقط فهي تخفي قلة إخلاص في الخضوع، وهذا مؤشر على ضعف الإيمان.
( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء 65
إنّ الخوف من انتصار الإسلام أو المسلمين بإمكانه أن يدفع المنافقين إلى إظهار طاعة ظاهرية، والاعتناء الدقيق ببعض الأحكام. وهذا ليس إيمانا صادقا ما داموا لم يطيعوا بخضوع تام. فالتردد يبين أن الشخص يغذي بعض الشكوك في الله، عز وجل، وفي رسوله، صلى الله عليه وسلم. فإذا كانت الطاعة ظاهرية، وبقي الخضوع لله جسديا فقط، فهذا يمكنه أن يعرقل فعل الخير عند الشخص. الطاعة الناقصة يمكنها أن تحرم صاحبها من الثواب يوم القيامة. إن كل مؤمن، وإن كانت الأعمال تجري خلاف مصلحته الآجلة، عليه قبول أحكام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسعادة والسرور، والشعور برضا الموافقة. الشعور بالضيق والخيبة أمام كل قرار سديد يشكل موقفا يتعارض مع الإيمان.
هارون يحيى