ستبقى الهجرة النبوية الشريفة إن شاء الله
بابا مفتوحا على ساحة رحبة من الدروس المنيرة ، والهادية إلى طريق تقوية الإيمان بالله تعالى .
وإن كانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين رضي الله عنهم الذين هاجروا معه ولحقوا به لحفظ دين الإسلام
بالانتقال من ديار الكفر والمشركين والمعاندين لدعوته بمكة المكرمة إلى رجال أحسنوا استقبالهم بالمدينة المنورة ودخلوا دين الإسلام
ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي آخى بينهم جميعا ( مهاجرين وأنصارا )
وإن كانت تلك الهجرة قد انتهت بفتح مكة المكرمة وعفو الرسول عن أهلها الذين آذوه وأصحابه وطردوهم من بلدهم بالكيد لهم ومقاطعتهم
وذلك بعد نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونيَّة ، وإذا استنفرتم فانفروا )
أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما عن راوي الحديث المعروف ابن عباس رضي الله عنه .
فقد صارت مكة بالفتح السلمي ودخول الناس أفواجا في دين الله تعالى ، دار إسلام وسلام وكعبة الحجاج لأداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا
وأنها لن تكون بعد ذلك إلى يوم القيامة دار كفر أبدا بإذن الله ، فلن يلحقهم في هذا الفضل الإلهي لاحق غيرهم وقد أصبحوا حماة الإسلام مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومع الأنصار بيثرب ( المدينة المنورة ) مقر وفاة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أداء رسالته كاملة كما أراد الله
ليحملها بعده المسلمون في هجرة أخرى قلبية بالدعوة بالكلمة الطيبة والأخلاق الكريمة والسلوكيات الحميدة التي تعلموها من نبيهم من دروس هجرته الطاهرة
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن عبد الله السعدي رضي الله عنه وهو رجل من بني مالك بن حنبل أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم
في ناس من أصحابه فقالوا له : احفظ رحالنا ثم ندخل ــ وكان أصغر القوم ــ فقضى لهم حاجتهم ، ثم قالوا له : ادخل فدخل فقال : ما حاجتك ؟
قال : حاجتي تحدثني أنقضتْ الهجرةُ ؟!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حاجتك خير من حوائجهم ، لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو ) بمعنى مادام هناك عدو لدين الله الإسلام
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء قبله ؛ وهي التسليم بوحدانية الله تعالى وطاعة أوامره واجتناب نواهيه .
ومن هذا الحديث المتعلق ببقاء الهجرة لله تعالى يشرق نور هديها وصاحبها الصادق الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله نبي الإسلام وحبيب الرحمن
وهذا الدرس الذي يبيح الهجرة لكل مسلم يقيم في بلاد غير إسلامية ويُمنَعُ فيها من ممارسة دينه أو يجبر على الردة وترك دينه أن يهاجر منها
ولا يحل له المقام فيها لغير ضرورة مشروعة ، وهنا لا بأس من بقائه دون أن يهاجر شريطة ألا تزلقه الفتنة عن دينه ويظل متمسكا به ويجتهد
في تربية أبنائه والأجيال الناشئة على دين الحق ، معتمدا على الله في نصرته ، خصوصا وأن المواثيق الدولية التي صدقت عليها أغلب دول العالم
(تعطي كل إنسان الحق في ممارسة دينه بلا إكراه )
كما أن التواصل الإنساني يوجب على المسلمين في هذا الزمان ويوصيهم أن يكون لهم حضور على المستوى الدولي
من خلال الجاليات الإسلامية في تلك البلدان التي تقوم بدعمهم وتوجيههم إلى التقارب الإنساني لنشر القيم الفاضلة النبيلة الإصلاحية لإسعاد البشرية
رسالة الخير والنور والمحبة والسلام التي جاء بها الإسلام الحنيف ، لمحو الصورة الذهنية السلبية التي يجتهد أعداء الإسلام في ترويجها
وذلك نوع من الجهاد في سبيل الله تعالى بمعناه الواسع الكريم لو صدقت النيات في جلب المنافع للأمة الإسلامية من علم يكتسب وخبرة نافعة تعلموها أو خير يستزاد
ودفع المضار عنها ، مما يدعو الآخرين للدخول في دين الله أفواجا بقدوة أهله المؤمنين
والله أسأل أن تظل ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما قرأناه عنها وتعلمناه نبراسا مضيئا لكل من يريد سلوك أصحاب الهجرة بقدوته الطيبة
لتقوية الإيمان بالله ونشره بين أعداء الدين الإسلامي الذي يزداد انتشارا كل يوم رغم محاربة أعدائه ، وأن يجعلنا من أهل الهجرة القلبية إلى الله.
ولنا دروس أخرى في الهجرة النبوية الشريفة في مساهمات قادمة إن شاء الله .