أبشر أيها المحزون أيها الإنسان! يا من مل من الحياة، وسئم العيش، وضاق ذرعاً بالأيام، وذاق
الغصص، إن هناك فتحاً مبيناً، ونصراً قريباً، وفرحاً بعد شدة، ويسراً بعد
عسر.
إن هناك لطفاً خفياً من بين يديك ومن خلفك، وإن هناك أملاً مشرقاً، ومستقبلاً حافلاً، ووعداً صادقاً، ((وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)).
إن لضيقك فرجة وكشفاً، ولمصيبتك زوال، وإن هناك أنساً وروحاً وندىً وطلاً وظلاً. ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)).
أيها الإنسان! آن أن تداوي شكك باليقين، والتواء ضميرك بالحق، وعوج الأفكار بالهدى، واضطراب المسيرة بالرشد.
آن أن تقشع عنك غياهب الظلام بوجه الفجر الصادق، ومرارة الأسى بحلاوة الرضا، وحنادس الفتن بنور يلقف ما يأفكون.
أيها الناس! إن وراء بيدائكم القاحلة أرضاً مطمئنةً، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان.
وإن
على رأس جبل المشقة والضنى والإجهاد، جنة أصابها وابل، فهي ممرعة، فإن لم
يصبها وابل، فطل من البشرى والفأل الحسن، والأمل المنشود.
يا من أصابه الأرق، وصرخ في وجه الليل:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل، أبشر بالصبح، ((أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)).
صبح يملؤك نوراً وحبوراً وسروراً.
يا من أذهب لبه الهم: رويدك فإن لك من أفق الغيب فرجاً، ولك من السنن الثابتة الصادقة فسحة.
يا
من ملأت عينك بالدمع! كفكف دموعك، وأرح مقلتيك، اهدأ فإن لك من خالق
الوجود ولاية، وعليك من لطفه رعاية، اطمئن أيها العبد، فقد فرغ من القضاء،
ووقع الاختيار، وحصل اللطف، وذهب ظمأ المشقة، وابتلت عروق الجهد، وثبت
الأجر عند من لا يخيب لديه السعي.
اطمئن: فإنك تتعامل مع غالب على أمره، لطيف بعباده، رحيم بخلقه، حسن الصنع في تدبيره.
اطمئن: فإن العواقب حسنة، والنتائج مريحة، والخاتمة كريمة.
بعد الفقر غنى، وبعد الظمأ ري، وبعد الفراق اجتماع، وبعد الهجر وصل، وبعد الانقطاع اتصال، وبعد السهاد نوم هادئ، ((لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)).
لمعت نارهم وقد عسعس الليـ ـل ومل الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البيـ ـن عليل وطرف عيني كليل
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى وغرامي ذاك الغرام الدخيل
وسألنا عن الوكيل المرجى للملمات هل إليه سبيل؟
فوجدناه صاحب الملك طراً أكرم المجزلين فرد جليل
أيها المعذبون في الأرض، بالجوع والضنك والضنى والألم والفقر والمرض، أبشروا، فإنكم سوف تشبعون وتسعدون، وتفرحون وتصحون، ((وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ)).
فلا
بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد
الدهر بين الحفر وحق على العبد أن يظن بربه خيراً، وأن ينتظر منه فضلاً،
وأن يرجو من مولاه لطفاً، فإن من أمره في كلمة (كن)، جدير أن يوثق بموعوده،
وأن يتعلق بعهوده، فلا يجلب النفع إلا هو، ولا يدفع الضر إلا هو، وله في
كل نفس لطف، وفي كل حركة حكمة، وفي كل ساعة فرج، جعل بعد الليل صبحاً، وبعد
القحط غيثاً، يعطي ليشكر، ويبتلي ليعلم من يصبر، يمنح النعماء ليسمع
الثناء، ويسلط البلاء ليُرفع إليه الدعاء، فحري بالعبد أن يقوي معه
الاتصال، ويمد إليه الحبال، ويكثر السؤال ((وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ))، ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)).
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفك ما علمتني الطلبا
انقطع العلاء بن الحضرمي ببعض الصحابة في الصحراء، ونفد ماؤهم، وأشرفوا على الموت، فنادى العلاء
ربه القريب، وسأل إلهاً سميعاً مجيباً، وهتف بقوله: يا علي يا عظيم، يا
حكيم يا حليم. فنزل الغيث في تلك اللحظة، فشربوا وتوضئوا، واغتسلوا وسقوا
دوابهم.
((وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)).
من كتاب" لا تحزن و ابتسم للحياة "للشيخ محمود المصري